للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [معني "حاشا"]]

قال صاحب الكتاب: و"حاشا" معناها التنزيه. قال [من الكامل]:

حاشا أبي ثوبان إن به ... ضنّا عن الملحاة والشتم (١)

وهو عند المبرد يكون فعلاً في نحو قولك: "هجم القوم حاشا زيداً", بمعنى: جانب بعضهم زيداً، "فاعل" من "الحشا" وهو الجانب, وحكى أبو عمرو الشيباني عن بعض العرب: "اللهم اغفر لي, ولمن سمع, حاشا الشيطان, وابن الأصبغ" بالنصب, وقوله تعالى: {حاش لله} (٢) بمعنى براءة لله من السوء.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ "حَاشا" عند سيبويه (٣) حرفٌ يجرّ ما بعده كما يجرّ "حتى" ما بعده، وفيه معنى الاستثناء، فهو من حروف الإضافة يدخل في باب الاستثناء لمضارَعةِ "إلَّا" بما فيه من معنى النفي، إذ كان معناه التنزيه والبراءة. ألا ترى أنك إذا قلت: "قام القوم حاشا زيدٍ"، فالمراد أن زيدًا لم يقم، فأُدْخِل حرف الجرّ هنا في باب الاستثناء، إذ كان معناه النفي، كما أُدخل "لَيْسَ" و"لا يَكُونُ"، و"خَلا"، و"عَدا" لِما فيها من معنى النفي، فتقوله: "أتاني القوم حاشا زيدٍ"، بمعنى: "إلَّا زيدًا"، فموضعُ "حاشا" ها هنا نصبٌ بما قبله من الفعل، يدل على ذلك أنه لو وقع موقعه اسمٌ؛ كان منصوبًا، نحو: "غَير".

والفرقُ بينها إذا كانت استثناءَ، وبينها إذا كانت حرف إضافة غيرَ استثناء، أنها إذا كانت استثناء منضمنةً لجملةٍ تُخرِج منها بعضًا، وإذا كانت حرف إضافة، فليست كذلك، تقول: "حاشا زيدٍ أن ينالَه السُّوءُ"، كأنك قلت: حاشاه نَيلُ السوء ومَسُّ السوء. وفيه معنى الاستقرار على طريق النفي، كأنّه قال: "حاشاه أن يستقرّ له مسُّ السوء"، إلَّا أنه لكثرة الاستعمال كالمَثَل الذي لا يُغيَّر عن وجهه. فأمّا البيت الذي أنشده، وهو [من الكامل]:

حاشا أبي ثوبان ... إلخ

هكذا أنشده أبو العبّاس المبرّد والسيرافيّ وغيرهما من البصريين. وفيه تخليطٌ من جهة الرواية. وذلك أنه ركّب صدره على عجزِ غيره. وهذا البيت للجُمَيّح، وهو مُنْقِذ بن الطَّمّاح بن قيس بن طَرِيف، أورده المُفَضَّل الضّبّيّ في مفضَّليَّاته، وأوّلُه:

يا جارَ نَضْلَةَ قد أنَى لك أن ... تَسْعَى بجارك في بني هِدمِ

متنظِّمِين جوار نَضْلَةَ يا ... شاهَ الوُجوهُ لذلك النَّظْمِ


(١) تقدم بالرقم ٣٠٤.
(٢) يوسف: ٣١، ٥١.
(٣) الكتاب ٢/ ٣٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>