الموضع الذي عدا فيه. وقوله:"كَهَا"، أي: كالذنابات، أو أقربَ إليه منها، وإن مال إلى أُمّ أوعال، صارت أقرب إليه من الذنابات. وأُم أوعال: رفعٌ بالابتداء، و"كَها" الخبر، والمحفوظُ: و"أُمَّ أوعال" بالنصب.
فصل [معني "مُذْ" و"مُنْذُ"]
قال صاحب الكتاب: و"مذ", و"منذ", لابتداء الغاية في الزمان, كقولك:"ما رأيته منذ يوم الجمعة", و"مذ يوم السبت", وكونهما اسمين ذُكر في الأسماء المبنية.
* * *
قال الشارح: وأمّا "مُذ"، و"مُنْذ"، فيكونان اسمين، ويكونان حرفين، والفرقُ بينها إذا كانت اسمًا، وبينها إذا كانت حرفًا من جهة اللفظ، أنها إذا كانت اسمًا؛ رفعت ما بعدها، وإذا كانت حرفًا؛ جرّت ما بعدها. ووجهٌ ثانٍ من الفرق بينهما أنها إذا كانت حرفًا، كانت متعلّقة بما قبلها، وكان الكلامُ بها جملة واحدة، وإذا كانت اسمًا؛ رفع ما بعدها، نحوَ قولك:"ما رأيته مذ يومان"، كان الكلام جملتَيْن: الجملُة الأولى فعلية، والثانية اسمية، يصح أن تصدُق في إِحداهما وتكذِب في الأُخرى. فهذا المعنى مستحيلٌ فيها إذا كانت حرفًا، لأنها تكون حرف إضافة، نحوَ:"زيدٌ قائمٌ في الدار"، فهذا لا يجوز أن تصدق في أنه قائمٌ، وتكذب في أنه في الدار، لأنه خبرٌ واحدٌ.
وأمّا الفرق بينهما من جهة المعنى، فإنّ "مُذ" إذا كانت حرفًا؛ دلّت على أن المعنى الكائن فيما دخلت عليه لا فيها نفسها، نحوَ قولك:"زيدٌ عندنا مُذْ شَهْرٍ" على اعتقادِ أنها حرفٌ وخفضِ ما بعدها. فالشهرُ هو الذي حصل فيه الاستقرارُ في ذلك المكان، بدلالةِ "مُذْ" على ذلك؛ وأمّا إذا كانت اسمًا، ورفعت ما بعدها؛ دلّت على المعنى الكائن في نفسها، نحوَ قولك:"ما رأيتُه مذ يومُ الجمعة"، فالرؤيةُ متضمَّنةُ "مُذْ"، وهو الوقت الذي حصلت فيه الرؤيةُ، وهو يوم الجمعة، كأنك قلت:"الوقتُ الذي حصلت فيه الرؤيةُ يومُ الجمعة".
وقد ذهب قوم من أصحابنا إلى أنهما لا يكونان إلَّا اسمين على كلّ حال، فإذا رفعا ما بعدهما، كان التقدير على ما مرّ، وإذا خفضا ما بعدهما، كانا في تقدير اسمَيْن مضافَيْن، وإن كانا مبنيَّيْن، كقوله تعالى:{مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}(١). ألا ترى أن "لَدُن" مضاف إلى "حكيم عليم"، وإن كان مبنيًّا؟
و"مُنْذ" مركّبةٌ عند الكوفيين. قال قوم منهم: إِنها مركّبةٌ مِنْ "مِنْ"، و"إذ"، وإنما