للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالكاف هنا اسم بمنزلة "مِثْل"؛ لأنها فاعلُ "ينهى"، ولا يصحّ أن يكون الفاعل حرفًا. وقد قيل: إن الفاعل ها هنا موصوف محذوف، والتقدير: "ولن ينهى ذوي شطط شيء كالطحن"، ثمّ حذف الموصوف. وذلك ضعيف؛ لأنه لا يصلح حذفُ الموصوف إلَّا حيث يجوز إقامة الصفة مقامه، بحيث يعمل فيه عاملُ الموصوف، والموصوف ها هنا فاعلٌ، والصفة جملةٌ، فلا يصح حذف الموصوف فيها، وإسناد الفعل إلى الجملة؛ لأن الفاعل لا يكون إلَّا اسمًا محضًا.

فإن قيل: فما تصنع بقوله [من الطويل]:

فحُقَّ لِمِثلِي يا بُثَيْنَةُ يَجْزَعُ (١)

فإنّ الفعل فيه مسندٌ إلى فعل محضٍ, فهو "يجزع"، قيل: المراد "أن يجزع"، و"أنْ" والفعل مصدرٌ، وهو الذي أُسند الفعل إليه، لا إلى الفعل نفسه؛ فأما قوله [من الرجز]:

يَضْحَكْنَ عن كالبرد المنهمّ (٢)

البيتَ، فالشاهد فيه قوله: "عن كالبرد"، فإدخال حرف الجرّ على الكاف دليلٌ على اسميّتها. والمنهمّ: المُذاب، يصف نسوةً بصَفاء الثَّغْر، وأن أسنانهنّ كالبرد الذائب لصفائها ورقّتها.

وذهب سيبويه (٣) أن هذه الكاف لا تدخل على مضمر، تقول: "رأيتُ كزيد"؛ ولم يجز: "رأيت كَهُ". وقال: استغنوا عنه بمِثْل وشِبْهٍ، فتقول: "رأيت مثلَ زيد، ومثلَه"، والمعنى فيهما واحدٌ، ومثلُ ذلك في "حَتَّى"، و"مُذْ". قال أبو العبّاس محمَّد بن بزيد: وقد خُولف في الكاف، و"حَتَّى"، فأجازه قومٌ. وقد احتجّ أبو بكر لامتناع الإضمار في هذه الحروف بضُعْفِ تمكُّنها في بابها، لأن الكاف تكون اسمًا، وتكون حرفًا، ولا تضيفها إلى مضمر لبُعْد تمكُّنها وضعفِ المضمر. فأمّا قوله [من الرجز]:

نَحَّى الذناباتِ شِمالاً كَثَبَا ... وأُمَّ أوْعالٍ كها أو أقْرَبَا (٤)

فالبيت للعَجّاج، والشاهد فيه إدخال الكاف على المضمر، وهو عندنا من قبيل ضرورة الشعر، وحملُها في ذلك على "مِثْل"؛ لأنها في معناها. والذناباتُ: موضع بعينه. وأُمّ أوعال: هَضْبةٌ، ففي "نحّى" ضميرٌ يعود إلى حمار وَحْشيّ ذَكَرَه، ومعنَى "نحّى": مضى في عَدْوه ناحيةً من الذنابات، فكأنه نحّاها عن طريقه شمالَه، بالقرب من


(١) تقدم بالرقم ٥١٧.
(٢) تقدم بالرقم ١٠٩٤.
(٣) الكتاب ٢/ ٣٨٣ - ٣٨٤، ٤/ ٢١٧.
(٤) تقدم بالرقم ١٠٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>