للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تريد تأكيدَه، نحو: "إنّ إنّ زيدًا منطلقٌ"، فتُؤكَّد الحرفَ المؤكّدَ، وتقول: "زيدٌ قائمٌ في الدار قائمٌ فيها"، فتُعيد فِيهَا توكيدًا، قال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} (١)، إلاّ أنّ الحرف إنّما يُكرَّر مع ما يتّصِل به لا سيما إذا كان عاملًا.

وتقول: "ما أكرمَني إلّا أنت أنت"، فتُؤكّد الاسمَ المضمَر, لأنّ التأكيد بصريحٍ يرجع إلى لفظِ المؤكَّد كائنًا ما كان.

[فصل [تأكيد الاسم الظاهر والضمير]]

قال صاحب الكتاب: ويؤكد المُظْهَرُ بمثله، لا بالمُضْمَر، والمُضْمَرُ بمثله وبالمظهر جميعًا. ولا يخلو المُضْمَران من أن يكونا منفصِلَين، كقولك: "ما ضربني إلّا هو هو"، أو متصلًا أحدُهما، والآخَرُ منفصِلًا، كقولك: "زيدٌ قام هو"، و"انطلقتَ أنتَ"، وكذلك "مررتُ بك أنت، وبه هو، وبنا نحن"، و"رأيتَي أنا"، و"رأيتَنا نحن".

ولا يخلو المُضْمَر، إذا أُكّد بالمظهر، أن يكون مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا، فالمرفوعُ لا يؤكَّد بالمظهر إلّا بعدَ أن يؤكدَ بالمضمر، وذلك قولك: "زيدٌ ذهب هو نفسُه، وعينُه"، و"القومُ حضروا هم أنفسُهم، وأعيانُهم"، و"النّساءُ حضرْن هنّ أنفسُهنّ، وأعيانُهنّ"، سَواءٌ في ذلك المستكِنُّ، والبارزُ. وأمّا المنصوب والمجرور، فيؤكدان بغيرِ شريطةٍ، تقول: "رأيتُه نفسَه"، و "مررتُ به نفسه".

* * *

قال الشارح: الاسم على ضربَيْن مُظْهَرٌ، - صلى الله عليه وسلم - مُضْمَرٌ، فالمُظْهَرُ لا يؤكَّد إلا بظاهرٍ مثلِه، ولا يؤكد بمضمرٍ، فلا تقول: "جاءني زيدٌ هو"، ولا "مررت بزيدٍ هو". وذلك من قِبَل أنّ التأكيد بـ "النفس" و"العين" من التواكيد الظاهرةِ جارٍ مجرَى النعت في الإيضاح والبيانِ، ولذلك اشتركا في اشتراكِ الموصوف والمؤكدِ في الإعراب والتعرِيف، فلمّا كان بين التوكيد والصفة من المُناسَبة والمقارَنةِ ما ذُكر، وكان من شرِط النعت أن لا يكون أَعْرَفَ من المنعوت، امتنع ذلك من التوكيد أيضًا. والمضمرُ أعرفُ من المظهر، فلم يجز أن يكون توكيدًا له؛ لأنّ التوكيد كالصفة من الجهة المذكورةِ، وأيضًا فإنّ الغرض من التوكيد الإيضاحُ والبيانُ، وإزالةُ اللَّبْس، والمضمرُ أَخْفَى من الظاهر، فلا يصلُح أن يكون مُبينًا له.

وأمّا المضمرُ، فيؤكَّد بالظاهر، وبمثله من المضمرات أيضًا، فأمّا تأكيدُه بالظاهر؛ فيكون بـ"النفس" و"العين" و"كُلّ"، و"أَجْمَعَ"، وتَوابِعهما، وذلك لأنّ المظهر أَبْيَنُ من المضمر، فيصلُح أن يكون تأكيدًا له ومُبيّنًا.


(١) هود: ١٠٨. وفي الطبعتين "فأمّا"، وهذا تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>