للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يخلو المضمر من أن يكون مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا. فإن أكّدتَ المضمرَ المرفوعَ بالنفس، والعينِ، لم يحسُن حتى تؤكّده أوّلًا بالمضمر، ثمّ تأتي بالنفس، أو العينِ، فتقول: "قمتَ أنتَ نفسُك". ولو قلت: "قمتَ نفسُك، أو عينُك"؛ لكان ضعيفًا غيرَ حسن، لأنّ النفس والعين يَلِيان العواملَ. ومعنى قولنا: "يليان العواملَ" أن العوامل تعمل فيهما لا بحُكْم التَّبَعيّة، بل يكونان فاعلَيْن، ومفعولَيْن، ومضافَيْن، وذلك أَنَّها لم يَتمكّنا في التأكيد، بل الغالبُ عليهما الاسميّةُ. ألا تراك تقول: "طابتْ نفسُه"، و"صحّتُ عينُه"، و"نزلتُ بنفسِ الجَبَل"، و"أخرجَ الله نفسَه"؟ فلمّا لم يكن التأكيدُ فيهما ظاهرًا، فكان الغالبُ عليهما الاسميّةَ، لم يحسن تأكيدُ المضمر المرفوعِ بهما, لأنّه يصير لعدمِ ظهورِ التأكيد فيهما كالنعت، وعطفِ البيان، فقبُح لذلك، كما قبُح العطفُ عليه من غيرِ تأكيد.

فأمّا "كُلّ"، وإن كانت تلي العواملَ، فتقول: "جاءني كلُّ القوم"، و"رأيت كلَّ القوم"، و"مررت بكلّ القوم"، فإنّ التأكيد غالبٌ عليها لِما فيها من معنَى الإحاطة والعموم، فكانت مشابِهةٌ لـ"أجمعين"، قلذلك جاز تأكيدُ المضمر المرفوع بها من غيرِ تقدُّم تأكَيدٍ آخرَ بضمير.

ووجهٌ ثانٍ أَنّ التأكيد بالنفس والعينِ من غيرِ تقدم تأكيد آخرَ ربّما أوْقعَ لَبْسًا في كثيرٍ من الأمر، ألا ترى أنك لو قلت: "هندٌ ضربتْ نفسُها"، لم يُعلَم: أَرَفَعْتَ نفسُها بالفعل وأخليتَ الفعلَ من الضمير، أم جعلتَ في الفعل ضميرًا لهِنْد، وأكدتَه بالنفس، فإذا قلت: "هندٌ ضربَتْ هي نفسُها" حسُن من غيرِ قُبْح؛ لأنّك لمّا جئت بالمضمر المنفصِل؛ عُلم أنّ الفعل غيرُ خالٍ من المضمر, لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون هُوَ الفاعلَ، أو تأكيدًا، فلا يجوز أن يكون فاعلًا، لأنّك لا تأتي بالمنفصل مع القُدْرَة على المتّصِل. ألا ترى أنّك لا تقول: "ضربتُ أَنَا"؛ لأنّك قادرٌ على أن تقول: "ضربتُ". وإذا لم يجز أن يكون فاعلاً، تَعيّنَ أن يكون تأكيدًا، وإذا كان في الفعل ضميرٌ مؤكَّدٌ بالضمير المنفصل، أمِنَ اللبسَ، وجاز توكيدُه بالنفس والعين، فاعرفه.

فأمّا إذا كان الضميرُ المؤكد منصوبًا، أو مجرورًا؛ جاز تأكيدُه بالنفس والعين، من غيرِ حاجة إلى تقدمِ تأكيدٍ بمضمر، فتقول: "ضربتُك نفسَك"، و"مررت بك نفسِك", لأنّه لم يوجَد من اللبس هنا ما وُجد في المرفوع، فإن أكدتَه بالضمير، ثمّ جئتَ بالنفس، فقلت: "ضربتُك أنتَ نفسَك"، و"مررت بك أنت نفسِك"؛ كان أبلغَ في التأكيد، وإن لم تأتِ به، فعَنْهُ مندوحةٌ، ومنه بُدٌّ.

وأمّا تأكيدُ المضمر بمثله من المضمرات، فنحو قولك: "قمتَ أنتَ"، و"رأيتُك أنتَ"، و"مررت بك أنتَ"، فيكون تأكيدُ المرفوع والمنصوب والمجرور، بلفظ واحد، وهو ضميرُ المرفوع، وإنّما كان كذلك من قِبَل أنّ أصلَ الضمير أن يكون على صيغة واحدة في الرفع والنصب والجرّ، كما كانت الأسماءُ الظاهرةُ على صيغة واحدة، والإعرابُ في آخرِها يُبيّن

<<  <  ج: ص:  >  >>