مقام الفاعل، إذا بنيت الفعل لما لم يسمّ فاعله. لا يمتنع إقامة شيء منها مقام الفاعل، كما كان ذلك مع المفعول به، فهذا ما لا خلاف فيه, لأنّ فيه فائدة، إنما الخلاف في الأولى منها، فذهب قوم إلى أن الاختيار إقامة الجارّ والمجرور؛ لأنه في مذهب المفعول به، فإذا قلت:"سرتُ بزيدٍ"، فالسير وقع به، وقال قومٌ: الظرف أولى لظهور الإعراب فيه.
فإن قيل: فالإعراب أيضًا يظهر في المصدر كما يظهر في الظرف، قيل: ذاك صحيح، إلّا أن الظرف فيه زيادةُ فائدة, لأنّ الفعل دال على المصدر، وليس بدال على الظرف. وقولنا:"مستوية الأقدام" يحمل على التساوي في الجواز فاعرفه.
[فصل [ما ينوب عن الفاعل عند وجود مفعولين متغايرين]]
قال صاحب الكتاب: ولك في المفعولين المتغايرين أن تُسند إلى أيهما شئت, تقول أعطي زيد درهماً، وكُسي عمرو جُبة، وأُعطي درهمٌ زيداً، وكسيت جبة عمراً إلا أن الإسناد إلى ما هو في المعنى فاعل أحسن وهو زيد، لأنه عاط وعمرو لأنه مكتسٍ.
* * *
قال الشارح: اعلم أن الفعل الذي يتعدّي إلى مفعولَيْن على ضربَيْن:
أحدهما: ما كان داخلًا على المبتدأ والخبر بعد استيفاء فاعله، فَنَصَبَهما جميعًا، واعتبارُ ذلك بأن يكون المفعول الثاني هو الأول في المعنى، نحوَ:"ظننت" وأخواتها، تقول:"ظننت زيدًا قائمًا"، فتجد القائمَ هو زيد، وزيدٌ هو القائم.
والثاني: ما كان المفعول الثاني فيه غير الأوّل، نحوُ:"أعطيت زيدًا درهمًا"، و"كسوت بكرًا جبة"، فما كان من الضرب الثاني، وبُني لما لم يسمّ فاعله، كان لك أن تقيم أيهما شئت مقام الفاعل، فتقول:"أُعطي زيدٌ درهمًا"، إذا أقمت الأول مقام الفاعل، فإن شئت قلت:"أُعطي درهمٌ زيدًا"، فتقيم الثاني مقام الفاعل؛ لأنّ تعلقهما بالفعل تعلق واحدٌ، فكان حكمُهما واحدًا، إلّا أن الأوْلى إقامةُ الأول منهما مقام الفاعل من حيث كان فاعلًا في المعنى؛ لأنه هو الآخِذ للدرهم، فلما اضطُررنا إلى إقامة أحدهما مقام الفاعل، كان إقامةُ ما هو فاعل مقام الفاعل أولى، وهذا معنى قوله:"لأنه عاطٍ"، أي: آخِذٌ، من "عَطَا يَعطُو" إذا تَناول.
واعلم أن صاحب الكتاب قد أطلق العبارة من غير تقييد، والصوابُ أن يُقال: "ما لم يكن هناك لَبسٌ أو إشكالٌ، فإن عرض في الكلام لبسٌ أو إشكالٌ، امتنع إقامة الثاني