"هو أُصيغر منك". إنما أردت أن تقلل الذي بينهما, و"هو دوين ذلك"، و"فويق هذا"، ومنه "أُسيِّدُ", أي: لم يبلغ السواد. وتقول العرب:"أخذت منه مثيل هاتيًا, ومثيل هاذيًا".
* * *
قال الشارح: قد تقدّم القول: إِنّ التصغير تقليلٌ وتحقيرٌ، وقوله:"لدُنُوّه من الشيء"، أي: لقُرْبه ممّا أضيف إليه. وإنّما أخبرتَ أنّهما يفترقان بشيء يسير أي مُنْحَطّ عنه.
وجملةُ الأمر أنّ المصغر على ثلاثة أضرب: تصغيرٌ مُبْهَمٌ، كقولك:"زُيَيْدٌ"، و"عُمَيْرٌ"، ونحوهُما من الأعلام، أخبرتَ بحَقارة المسمّى من غير إفادة ما أوجب الحقارة له.
وتصغيرٌ موضِحٌ، وذلك في الصفات، كقولك:"عُوَيْلِمٌ"، و"زُوَيْهِدٌ"، تريد أنّ عِلْمه وزُهْده قليل، ومثلُه:"عُطَيْطِيرٌ"، و"بُزَيْزِيزٌ"، في تصغير "عَطارٍ"، و"بَزّازٍ"، تريد ضُعفَ صَنْعتهما في "العِطْر"، و"البَزّ". وكذلك ما كان نحوهما من الصفات، مثلُ:"أُحَيمِرُ"، و"أُسَيْوِدُ"، تريد أنَّه قد قارَبَ الحُمْرَةَ، والسوادَ، وليس بالكامل التامِّ فيه.
الثالث: هو ما اشتمل عليه هذا الفصلُ، وهو تصغير الشيء لدُنُوّه من الشيء، وقُرْبه ممّا أضيف إليه على ما ذكرنا، وذلك نحو قولك:"هو أُصَيْغِرُ منك". وذلك أنّك لو قلت:"هو أصغرُ منك"، احتمل أن يكون التفاوُت بينهما يسيرًا، وأن يكون كثيرًا، فأوضحتَ بالتصغير أنّه قليل، وأنّه يكاد يكون مثله في الصغَر. وكذلك الأمكنةُ، نحو الجهات الست، كقولك:"هو فوقَ زيد، وتحتَ خالد، ودونَ بكر"، فيحتمل أن يكون بكثير، وأن يكون بقليل، فإذا قلت:"فُوَيْقَ زيد، وتُحَيْتَهُ، ودُوَيْنَهُ"، فلا يجوز أن يكون إلا بقليل. وكذلك لو قال:"آتيك قبل طلوع الشمس"، فجاءه في الليل؛ لم يكن مُخْلِفا، ولو قال:"قُبَيْلَ طلوع الشمس"، لزم أن يكون بعد طلوع الفَجْرِ ونحوه ممّا قارَبَ طلوعَ الشمس، فاعرفه.
[فصل [تصغير الفعل]]
قال صاحب الكتاب: وتصغير الفعل ليس بقياس, وقولهم:"ما أميلحه! " قال الخليل (١): إنما يعنون تصفه بالملح، كأنك قلت:"زيدٌ مليحٌ" شبهوه بالشي الذي تلفظ به, وأنت تعني به شيئاً آخر، نحو قولك:"بنو فلان يطؤهم الطريق", و"صيد عليه يومان".