للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالشاهد فيه خفضُ "سيّد" بـ "كَمْ" مع الفصل ضرورةً. والدَّسِيعةُ: العَطيّةُ، وهو مِن "دَسَعَ البعيرُ بجِرَّته" إذا دفعها، ويقال هي الجَفْنَةُ. والمرادُ أنَّه واسعُ المعروفِ. والماجدُ: الشريفُ.

[فصل [عودة الضمير علي "كم"]]

قال صاحب الكتاب: ويرجع الضمير إليه على اللفظ والمعنى، تقول كم رجل رأيته ورأيتهم، وكم امرأة لقيتها ولقيتهن وقال تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً} (١).

* * *

قال الشارح: اعلم أن "كَمْ" اسمٌ مفرد مذكّر موضوع للكثرة، يُعبَّر به عن كلِّ معدود، كثيرًا كان أو قليلًا، وسواءٌ في ذلك المذكّرُ والمؤنّثُ، فقد صار لها معنى ولفظ. وجرت في ذلك مجرَى "كُلّ"، و"أيّ"، و"مَنْ"، و"ما" في أنّ كلَّ واحد منها له لفظٌ ومعنًى، فلفظُه مذكّر مفرد، وفي المعنى يقع على المؤنّث والتثنية والجمع. فإذا عاد الضميرُ إلى "كم" من جملةٍ بعدها، جاز أن يعود نظرًا إلى اللفظ، وجاز أن يعود حملاً على المعنى، فتقول: "كم رجل جاءك" فتُفرِد الضميرَ، وتُذكُره حملاً على اللفظ، ولو قلت: "جاءاك" بلفظ التثنية، أو"جاؤوك" بلفظ الجمع، لجاز أن ترُد الضميرَ تارةً إلى اللفظ، وتارةً إلى المعنى، وكذلك في المؤنّث تقول: "كم امرأهٍ جاءك" على اللفظ، و"جاءتْك"، و"جاءتاك"، و"جِئْنَك" على المعنى. قال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} (٢)، فجمع الضميرَ نظرًا إلى المعنى. ولو حمل على اللفظ، لقال: شفاعتُه.

وأمّا تمثيلُه بـ "كَمْ رجل رأيتُه"، فهو على لفظِ "كم"، و"رأيتُهم" على المعنى؛ لأنّ المراد التكثيرُ. وقوله: "وكم امرأةٍ لقيتُها"، فالضمير عائدٌ فيه على المعنى. ولو أراد اللفظَ، لقال: "لقيتُه"؛ لأنّ "كم" مذكّرُ اللفظ، "ولقيتُهنّ" على المعنى أيضًا؛ لأنّه واقعٌ على مؤنّث في معنى الجمع. ومنه قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} (٣)، فأنّث الضمير على المعنى أيضًا, لأن "كم" مفسرةٌ بـ "القرية". ولو جاء على اللفظ، لقال: "أهلكناه". ولا يكون الضميرُ في "أهلكناها" عائدًا إلى "القرية"؛ لأنّ خبرَ المبتدأ إذا كان جملة، فالضميرُ منها إنّما يعود إلى المبتدأ نفسه لا إلى تفسيره، ثمّ قال: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} (٤) لأنّ المراد بالقرية أهلُها فاعرفه.


(١) النجم: ٢٦.
(٢) النجم: ٢٦.
(٣) الأعراف: ٤.
(٤) الأعراف: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>