للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولولا إرادة التأكيد؛ لكان المصدر أحقَّ بالموضع، وكنت تقول مكان "بَلَغَني أن زيدًا قائمٌ": "بلغني قيامِ زيد".

والذي يدلّك على أنّ "أنَّ" المفتوحة في معنى المصدر، وأنّها تقع موقع المفردات، أنّها تفتقر في انعقادها جملةً إلى شيء يكون معها، ويُضَمّ إليها؛ لأنها مع ما بعدها من منصوبها ومرفوعها بمنزلة الاسم الموصول، فلا يكون كلامًا مع الصلة إلَّا بشيء آخر من خبرٍ يأتي به، أو نحوِ ذلك. فكذلك "أنَّ" المفتوحة, لأنها في مذهب الموصول، إلَّا أنها نفسها ليست اسمًا كما كانت "الّذِي" كذلك. ألا ترى أنها لا تفتقر في صلتها إلى عائدٍ كما تفتقر في الأسماء الموصولات إلى ذلك؟

وإذا ثبت أنها في مذهب المفرد، فهي تقع فاعلة ومفعولة ومبتدأةً، ومجرورة. مثالُ كونها فاعلةً قولك: "بلغني أنّ زيدًا قائمٌ"، فموضعُ "أنَّ" وما بعدها رفعّ بأنّه فاعلٌ، كأنّك قلت: "بلغني قيامُ زيد". ومثالُ كونها مفعولة قولك: "كرهتُ أنّك خارجٌ"، أي: خروجَك. ومثال كونها مبتدأة قولك: "عندي أنّك خارجٌ"، أي: عندي خروجُك، كما تقول: "عندي غلامُك". وتقول في المجرورة "عجبت مِن أنّك قادمٌ"، أي: من قدومك، فلذلك قال: "تعاملها معاملة المصدر حيث تُوقِعها فاعلةً ومفعولةً ومضافًا إليها".

وقوله: "لا تُصدَّر بها الجملة"، يريد أنها إذا وقعت مبتدأةً، فلا بد من تقديم الخبر عليها. ولا تُصدّر بالمبتدأة على قاعدة المبتدآت، فلا تقول: "أنّك منطلقٌ عندي"، وكذلك لو كانت مفعولة، فإنّك لا تُقدّمها، تقول: "أنّك منطلقٌ عرفتُ"، تريد: عرفت أنّك منطلقٌ، وإن كان يجوز "انطلاقَك عرفتُ". وإنّما لم تصدّر بها الجملة لأمرَيْن:

أحدهما: لأن "إنَّ" المكسورة و"أنَّ" المفتوحة مجراهما في التأكيد واحدٌ، إلَّا أن المفتوحة تكون عاملة ومعمولًا فيها، فأُخّرت للإيذان بتعلُّقها بما قبلها، ومُفارَقتِها المكسورةَ التي هي عاملةٌ غيرُ معمول فيها. وجوّزوا تقديم المكسورة؛ لأنها تتنزّل عندهم منزلةَ الفعل الملغى، نحوِ: "أشهدُ لَزيدٌ قائمٌ"، و"أعلمُ لَمحمّدٌ منطلقٌ".

والأمر الآخر: أنها إذا تقدّمت؛ كانت مبتدأةً، والمبتدأ مُعَرَّضُ لدخولِ "إنَّ" عليه، وكان يلزم أن تقول: "إنَّ أنَّ زيدًا قائمٌ بلغني"، فتجمع بين حرفَيْن مؤكِّدَيْن. وإذا كانوا منعوا من الجمع بين اللام و"إنَّ" لكونهما بمعنى واحد، وإن اختلف لفظُهما؛ فأن يمنعوا الجمعَ بين "إنَّ"، و"أنَّ"، وهما بلفظ واحد، كان ذلك أولى.

[فصل [مواضع كسر همزة "إن" ومواضع فتحها]]

قال صاحب الكتاب: والذي يميز بين موقعيهما "أن" ما كان مظنة للجملة؛ وقعت فيه المكسورة, كقولك مفتتحاً: "إن زيداً منطلقٌ"، وبعد "قال", لأن الجمل تحكى بعده،

<<  <  ج: ص:  >  >>