والتفريع على هذا الأصل. فمن ذلك إلحاقُها للفرق بين الواحد والجمع؛ فلأنّ الجمع لمّا كان اسمًا للجنس، كان أصلاً من هذا الوجه، ثمّ احتيج إلى إفراد الواحد من الجنس، فكان فَرْعًا على ذلك الأصل، فلحقَتْه العلامةُ بهذه العلّة. فجميعُ ما لحقته التاء، فهو تفريعٌ على أصلِ تأنيث، كتفريع المؤنّث على المذكّر، فاعرفه.
[فصل [مجيء تاء التأنيث منفصلة وغير منفصلة]]
قال صاحب الكتاب: والكثير فيها أن تجيء منفصلة, وقل أن يُبنى عليها الكلمة ومن ذلك عباية وعظاية وعلاوة وشقاوة.
* * *
قال الشارح: قد تقدّم القول: إنّ تاء التأنيث في حكم المنفصلة؛ لأنّها تدخل على اسم تامٌ، فتُحْدِث فيه التأنيثَ، نحوَ:"قائم"، و"قائمة"، و"امرىء"، و"امرأة"، فهي لذلك بمنزلةِ اسم ضُمّ إلى اسم. هذا هو الكثيرُ فيها، والغالبُ عليها، وقد دللنا على ذلك فيما تقدّم.
وقد تأتي لازمةً كالألف، كأنّ الكلمة بُنيت على التأنيث، ولم يكن لها حظٌّ في التذكير، فهي كحرف من حروف الاسم صِيغَ عليه. فأمّا "عَبايَةٌ"، و"عَظايَةٌ"، و"صَلايَةٌ"، فإنّه قد ورد فيها الأمران: تصحيحُ الياء وقلبُها همزة.
فأمّا التصحيح فيها، فإنّه لمّا بُنيت الكلمة على التأنيث، وتنزلت التاءُ فيها منزلةَ ما هو من نفس الكلمة، قويت الياء لبُعْدها عن الطرف ووقوعِها حَشوًا، فصحّت، ولم تُهْمَز، ومثلُ ذلك "قمَحْدُوَةٌ"، و"تَرْقُوَةٌ"، و"عَرْقُوَةٌ". فلولا بناء الكلمة على التأنيث، لوجب قلبُ الواو فيها ياءً، لوقوعها طرفًا في الحكم وانضمامِ ما قبلها.
وأمّا من أَعَلَّ الياء وهَمَزَ؛ فإنّه بنى الواحدَ على الجمع. فلمّا كانوا يقولون في الجمع:"عَظاءٌ"، و"عَباءٌ"، و"صَلاءٌ"، فيلزمهم إعلالُ الياء لوقوعها طرفًا، فإذا أرادوا إفرادَ الواحد من الجنس، أدخلوا عليه تاء التأنيث، كما فعلوا في "تَمْر"، و"تَمْرة"، وقدّروها منفصلةً، فثبتت الهمزةُ لذلك بعد دخول التاء، كما كانت ثابتةً قبل دخولها. وأمّا "نِهايَةٌ"، و"غَباوةٌ"، و"شقاوةٌ" و"سقاية"؛ فاقتصروا فيها على التصحيح، لأنّها كِلَمٌ بُنيت على التأنيث، ولم يقدِّروها منفصلة، ألا ترى أنّهم لم يقولوا في الجمع:"نهاءٌ"، ولا "غباءٌ"، ولا "شقاءٌ"، فيلزمَ الإعلالُ كما لزم في "عباء"، و"عظاء"، وصار نظيرَ قولهم:"عقلتُه بثِنايَين" في أنّ الكلمة مبنيّةٌ على التثنية، ولذلك لم يهمزوا كما همزوا في "كِساءٍ"، و"رِداءٍ".