قال صاحب الكتاب: ويُتلقى القسم بثلاثة أشياء: باللام, وبـ "إنَّ" وبحرف النفي كقولك بالله لأفعلن، وإنك لذاهب، وما فعلت ولا أفعل. وقد حذف حرف النفي في قول الشاعر [من البسيط]:
تالله يبقى على الأيام مبتقلٌ ... [جون السراة رباع سنُّهُ غَرِدُ](١)
* * *
قال الشارح: اعلم أنّه لمّا كان كلُّ واحد من القسم والمقسم عليه جملةً، والجملةُ عبارة عن كلّ كلام مستقلّ قائمٍ بنفسه، وكانت إحداهما لها تعلّقٌ بالأخرى؛ لم يكن بدٌّ من روابط تربط إحداهما بالأخرى، كرَبْط حرف الشرط الشرطَ بالجزاء، فجُعل للإيجاب حرفان، وهما اللام و"إنَّ"، وجُعل للنفي حرفان، وهما "ما" و"لا". وإنّما وجب لهذه الحروف أن تقع جوابًا للقسم؛ لأنّها يُستأنف بها الكلام، ولذلك لم تقع الفاء جوابًا للقسم؛ لأنّه لا يستأنف الكلامُ بها.
فأمّا اللام فتدخل على الأسماء والأفعال، فإذا دخلت على الأسماء فما بعدها مبتدأٌ وخبرٌ، كقولك:"واللَّهِ لَزيدٌ أفضلُ من عمرو". وإذا دخلت على الفعل المضارع، لزم آخِرَ الفعل النونُ الخفيفةُ أو الثقيلةُ، كقولك:"واللَّهِ لتضربنْ عمرًا"، و"واللَّهِ لتَضْرِبَنّ عمرًا"، فتقف على الخفيفة بالألف إذا كان ما قبلها مفتوحًا. وإنّما لزمته النون لتُخِلّصه للاستقبال؛ لأنّه يصلح لزمنَيْن، فلو لم تخلصه للاستقبال، لوقع القسمُ على شيءٍ غير معلوم. وقد بيّنّا أنّ القسم توكيدٌ، ولا يجوز أن تُؤكِّد أمرًا مجهولاً. وقيل: إنّما دخلت النونُ مع اللام في جواب القسم؛ لأنّ اللام وحدها تدخل على الفعل المستقبل في خبر "إنَّ"، وليس دخولُ اللام على الفعل في خبر "إنَّ" للقسم، فألزموها النون للفصل بين اللام الداخلة في جواب القسم، والداخلة لغير القسم. فإذا قلت:"إنّ زيدًا ليضربنّ عمرًا"، كان تقديره: إنّ زيدًا والله ليضربن عمرًا, فاللامُ واقعة موقعها؛ لأنّها جوابٌ للقسم، فهي بعده. وإذا قلت:"إنّ زيدًا ليضرب عمرًا"، فهذه اللامُ تقديرُها أن تكون داخلة على "إنَّ". فبين هذه اللام واللام التي معها النون فصلٌ من وجهَيْن: أحدهما أنّ اللام التي معها النونُ لا تكون إلّا للمستقبل، والتي ليس معها النون تكون للحال، وقد يجوز أن يراد بها المستقبلُ. والوجه الآخر أنّ المفعول به لا يجوز تقديمُه على الفعل الذي فيه النونُ، ويجوز تقديمُه على الذي لا نونَ فيه؛ لأنّ نيّة اللام فيه التقدّم.