للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاث متحرّكات. ألا ترى أنا لو حرّكنا النون من "انطلق"، والطاءُ واللام والقاف متحرّكات؛ لَتوالى فيها أربع متحرّكات، وذلك مفقود في كلامهم. وكذلك "افتعل" نحوُ: "اقتدر"، وسائرُها محمول على ما ذكرنا.

فصل [معاني "فَعَلَ" و"فَعِلَ" و"فَعُلَ"]

قال صاحب الكتاب: فما كان على "فَعَلَ" فهو على معان لا تضبط كثرة وسعة. وباب المغالبة مختص بـ "فَعَلَ يَفْعُلُ",كقولك: "كارمني, فكرمته, أكرمه"، و"كاثرني, فكثرته, أكثره". وكذلك: "عازني فعززته"، وخاصمني فخصمته، وهاجاني فهجوته, إلا ما كان معتل الفاء كوعدت أو معتل العين أو اللام من بنات الياء كبعت ورميت, فإنك تقول فيه: "أفْعِلُه" بالكسر، كقولك: خايرته فخرته أخيره. وعن الكسائي أنه استثنى أيضًا ما فيه أحد حروف الحلق وإنه يقال فيه "أفعَلُه" بالفتح. وحكى أبو زيد "شاعرته, أشعره"، وفاخرته أفخره بالضم. قال سيبويه (١): وليس في كل شيء يكون هذا، ألا ترى أنك لا تقول: نازعني فنزعته استغنى عنه بغلبته.

* * *

قال الشارح: يريد أنّ "فَعَلَ" مفتوح العين يقع على معانٍ كثيرة لا تكاد تنحصر توسّعًا فيه لخفّة البناء واللفظ، واللفظُ إذا خفّ، كثُر استعماله واتسع التصرّفُ فيه، فهو يقع على ما كان عَمَلًا مَرْئيًّا. والمرادُ بالمرئيّ ما كان متعدّيًا فيه علاجٌ من الذي يُوقِعه بالذي يُوقَع به، فيُشاهَد، ويُرَى، وذلك نحوُ: "ضَرَبَ"، و"قَتَلَ"، ونحوِهما ممّا كان علاجًا مرئيًّا. وقالوا في غير المرئي: "شَكَرَ"، و"مَدَحَ". وقالوا في اللازم: "قَعَدَ"، و"جلس"، و"ثبت"، و"ذهب". وقالوا: "نطق الإنسان"، و"هدل الحَمام"، و"صهل الفرس، وضبح" ونحوَ ذلك ممّا معناه الصوت. وقالوا في خلافه: "سكت"، و"همس"، و"صمت". وقالوا في القطع: "جدع أنْفَه"، و"صرب النباتَ"، و"صرم الصديقَ". وقالوا: "نعس"، و"هجع"، و"رقد"، و"هجد"، ونحوَ ذلك ممّا معناه النوم. وقالوا: "أكل الإنسانُ"، و"رتع الفرسُ، ورَعَى" كلُّه أكْلٌ، وقالوا: "نكح"، و"ضربها الفَحْلُ"، و"قرعها"، كلُّه بمعنى الجِماع.

وممّا لا يكون إلَّا فَعَلَ إذا كان الفعل بين اثنين كـ "قاتلته"، و"شاتمته". فإذا غلب أحدُهما، كان فعله على "فعَل يفعُل" بفتح العين في الماضي، والضمّ في المستقبل،


(١) الكتاب ٤/ ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>