للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمْا "تَمَسْكَنَ"، و"تَغافَلَ"، و"تَكَلَّم"، فليست الزيادة فيها للإلحاق، وإن كان على عدة الأربعة. فقولُهم: "تمسكن" شاذ من قبيل الغلط، ومثله قولهم: "تَمَدْرَعَ"، و"تمندل"، والصواب "تَسَكَّنَ"، و"تَدَرَّعَ"، و"تندّل". وكذلك "تَغافَلَ" ليست الألف للإلحاق؛ لأن الألف لا تكون حشوًا مُلْحِقةً، لأنها مَدّةٌ محضةٌ، فلا تقع موقعَ غيرها من الحروف، إنما تكون للإلحاق إذا وقعت آخرًا لنقص المدَّ فيها، مع إن حقيقة الإلحاق إذا وقع آخرًا إنما هو بالياء، لكنّها صارت ألفًا لوقوعها موقعَ متحرّك، وقبلها فتحةٌ. و"تَكَلَّمَ" كذلك، تضعيفُ العين لا يكون ملحِقًا، فإطلاقُه لفظَ الإلحاق هنا سَهوٌ.

وأمّا "احْرَنْجَمَ"، ففعلٌ رباعيٌ، والنون فيه للمطاوعة، فهو في الرباعي بمنزلةِ "انْفَعَلَ" في الثلاثي، نحوِ: "حسرتُه فانحسر"، و"كسرتُه، فانكسر". و"اسْحَنْكَكَ"، و"اقْعَنْسَسَ" ثلاثي ملحق بـ "احرنجم". وحقيقةُ الإلحاق بتكرير اللام، ولذلك لا يدغم المثلان فيه، والنون مزيدة لمعنى المطاوعة، ولذلك لا يتعدّى.

وأما الضرب الثاني، وهو الموازن من غير إلحاق، فهي ثلاثة أبنية: "أفْعَلَ"، و"فَعَّلَ"، و"فَاعَلَ"، نحو: "أخرج"، و"أكرم"، و"جرّب"، و"كسّر"، و" قاتل"، و"حارب". فهذه الأبنية، وإن كانت على وزنِ "دحرج" في حركاته وسكناته، فذلك شيءٌ كان بحكم الاتفاق، وليست الموازنة فيها مقصودة. والذي يدل على ذلك أنك تقول: "أكرم إكرامًا"، و"كَسَّرَ تكسيرًا"، و"قاتل مُقاتَلة وقِتالاً"، فلم تأتِ مصادرها على نحو "الدَّحْرَجَة"، و"الزلْزَلَة"، فلمّا خالفت مصادرَ الرباعيّ، علم أنها ليست للإلحاق، وإن اتّفقت في المضارع؛ لأن الاعتبار بالمصادر التي هي أصلها. وأمر آخر يدل على ما ذكرنا أنّ ما زِيدَ للإلحاق ليس الغرضُ منه إلَّا إتباعَ لفظٍ للفظٍ لا غير، نحوَ: واو"جَوْهَرَ" و"جَهْوَرَ" دخلت لإلحاق هذا البناء الثلاثيّ ببناء "دحرج" الرباعي. فهو شيءٌ يخصّ اللفظَ من غير أن يُحْدِث معنى. وهكذا الأبنية الثلاثة التي هي "أفْعَلَ"، و"فَعَّلَ"، و"فَاعَلَ"، فالزيادةُ في كل واحد منها أفادت معنَى لم يكن قبلُ، وقد استقصيتُ معانيها في كتابي في شرح المُلوكيّ في التصريف.

وأما غير الموازن، فهو سبعة أبنية على ما ذكر، وذلك نحو: "انطلق"، و"اقتدر"، و"استخرج"، و"اشْهَابَّ" (١)، و"اشهَبَّ" (٢)، و"اغْدَوْدَنَ" (٣)، و"اعْلَوَّطَ"، فهذه الأبنية قد لزم أوّلَها همزةُ الوصل، وذلك لسكون أوّلها. وإنما سكن كراهيةَ أن يتوالى فيها أكثرُ من


(١) اشهابَّ الزرعُ: قاربَ الهَيْجَ فابْيَضَّ. (لسان العرب ١/ ٥٠٨ - ٥٠٩ (شهب)).
(٢) اشهبَّ الفرس: صار لونه أبيض يصدعه سواد. (لسان العرب ١/ ٥٠٨ (شهب)).
(٣) اغدودَن النبتُ: اخضرَّ حتى ضرب إلى السواد. واغدودن الشَّعر: طال وتمَّ. (لسان العرب ١٣/ ٣١١ (غدن)).

<<  <  ج: ص:  >  >>