للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد دَجا اللَّيلُ فَهَيّا هَيّا (١)

فإنه قدّم الجارّ والمجرور مع أنه لغوٌ؛ لأنه شعرٌ، والشاعرُ له أن يأتي بالجائز، وإن لم يكن المختار، مع أنه قد أفاد بقوله "فيهنّ" المعنى المراد. ولو حذف "فيهنّ"، لكان على معنى آخر، وهو التأبيد، كقولك: "لا أُكَلِّمُك ما طار طائرٌ، وما طلعت الشمسُ". فلمّا كان المعنى يقتضي وجودَ "فيهنّ"، إذ المعنى عليه، ولو أُسقط لتغيّر المعنى، فصار في لزومه ومَسِيسِ الحاجة إليه كالخبر، فلذلك قدّمه.

فإذا كانا نكرتَيْن، جاز الإخبار بأحدهما عن الآخر؛ لأنهما قد تَكَافآ كما لو كانا معرفتَين. وأما إذا كان أحدهما معرفة والآخر نكرة، لم يجز الإخبار فيه عن النكرة؛ لأنه قَلْبُ الفائدة.

وأما قوله: "والخبر مفردًا وجملةً بتَقاسِيمهما"، فإنه يريد أن خبر هذه الأفعال كأخبار المبتدأ، والخبرِ من المفرد والجملة. وقوله: "بتقاسيمهما" يريد تقاسيم المفرد والجملة؛ لأنّ الخبر، إذا كان مفردًا، ينقسم إلى قسمَيْن: قسم خالٍ من الضمير، نحو: "زيدٌ أخوك"، وقسم يتحمّل الضميرَ، نحو: "زيدٌ منطلقٌ". وهو في خبرِ "كانَ" كذلك، نحو: "كان زيدٌ اخاك"، و"كان زيد منطلقًا".

وأما الجملة، فعلى أربعة أضرب: فعليّةٌ، نحو: "زيدٌ ذهب"، واسميّةٌ، نحوُ: "زيد ذاهِبٌ"، وشرطيّة، نحو: "زيد إن تُحْسِنْ إليه يَشْكُرْك"، وظرفيّة، نحو: "زيدٌ عندك".

وكذلك تقع هذه الأشياءُ أخبارًا عن هذه الأفعال، فتقول: "كان زيدٌ يخرج"، إلّا أنه لا يحسن وقوعُ الفعل الماضي في أخبارِ "كان" وأخواته؛ لأنّ أحد اللفظَيْن يُغْنِي عن الآخر. وتقول في الاسمية: "كان زيد قائمًا"، وفي الشرطيّة: "كان زيد إن تحسن إليه يشكرك"، وفي الظرف: "كان زيدٌ من الكرام"، فاعرف ذلك.

[فصل [أوجه "كان"]]

قال صاحب الكتاب: و"كان" على أربعة أوجه ناقصة كما ذكر، وتامة بمعنى "وقع" و"وجد"، كقولهم كانت الكائنة والمقدورة كائن، وقوله تعالى: {كن فيكون} (٢).

* * *

قال الشارح: اعلم أن "كانَ" أُمُّ هذا الباب، وأكثرُها تصرّفًا، فلها: أربعةُ مواضع


(١) تقدم بالرقم ٥٢٠.
(٢) آل عمران: ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>