للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما ذكر. أحدها: أن تكون ناقصة، فتفتقر إلى الخبر، ولا تستغني عنه؛ لأنها لا تدل على حَدَثٍ، بل تفيد الزمان مجرَّدًا من معنى الحدث، فتدخل على المبتدأ والخبر، لإفادة زمان الخبر، فيصير الخبر عوضًا من الحدث فيها، فإذا قلت: "كان زيدٌ قائمًا"، فهو بمنزلة قولك: "قام زيدٌ" في إفادة الحدث والزمن.

واعلم أن "كانَ" قد اجتمع فيها أمران، كلُّ واحد منهما يقتضي جواز حذف الخبر، ومع ذلك فإن حذفه لا يجوز. وذلك أنّ هذه الأفعال داخلة على المبتدا والخبر، وحذفُ خبر المبتدأ يجوز من اللفظ إذا كان عليه دليلٌ من لفظٍ أو غيره، نحوُ قولك: "زيدٌ قائمٌ وعمرٌو"، والمراد: و"عمرٌو قائمٌ"، وكذلك تقول لمن قال: "مَن عندك": "زيدٌ"، والمراد: "زيدٌ عندي". ولا يجوز مثلُ ذلك مع "كانَ". والآخرُ: أن هذه الأفعال جارية مجرى الأفعال الحقيقية وفاعلِها ومفعولِها، والمفعول يجوز إسقاطه، وأن لا تأتي به، ولا يجوز ذلك في خبر هذه الأفعال، وإن كانت مشبّهة بتلك. والعلّةُ في ذلك ما ذكرناه من أن الخبر قد صار كالعوض من الحدث، والفائدةُ منوطة به، فكما لا يجوز إسقاط الفعل في "قام زيدٌ"، فكذلك لا يجوز حذف الخبر؛ لأنه مثله.

واعلم أن هذه الأفعال، لمّا كانت متصرّفة تصرُّفَ الأفعال الحقيقية ومشبّهة بها، جاز في خبرها ما هو جائز في المفعول من التقديم والتأخير، فتقول: "كان زيد قائمًا"، و"كان قائمًا زيد"، و"قائمًا كان زيد". كل ذلك حسن. قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (١)، فـ "حقًا" خبر مقدّم. وتقول: "من كان أخوك"، و"من كان أخاك"، إن رفعت "الأخ"، فَـ"مَنْ" في موضعِ منصوب بأنّه الخبر، وقد تقدّم، وإن نصبته فـ "مَن" في موضع رفع بالابتداء، فأما قوله تعالى: {وَبَاطِلًا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٢) في قراءةِ مَن نصب، ففيها دلالةٌ على جواز تقديم خبر "كانَ" عليها, لأنك قدّمت معمول الخبر؛ لأنّ "ما" زائدة للتأكيد على حدّها في قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} (٣)، و"باطلًا" منصوب بـ"يعملون"، وقد قدّمه، وتقديمُ المعمول يُؤْذِن بجواز تقديم العامل؛ لأنّ مرتبة العامل قبل المعمول، فلا يجوز تقديم المعمول، حيث لا يجوز تقديم العامل، وكذلك سائر أخواتها، يجوز فيها التقديم والتأخير.

الموضع الثاني: أن تكون تامّة بمعنى الحدوث، وقيل لها تامّة لدلالتها على


(١) الروم: ٤٧.
(٢) الأعراف: ١٣٩؛ وهود: ١٦. وقراءة النصب قرأها في سورة هود أبيّ وعبد الله بن مسعود. انظر: البحر المحيط ٥/ ٢١٠؛ وتفسير القرطبي ٩/ ١٥؛ والمحتسب ١/ ٣٢٠؛ ومعجم القراءات القرآنية ٣/ ١٠٤.
(٣) آل عمران: ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>