للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفعل الأول، عدلوا عن الظاهر، وأضمروا مصدره، إذ الفعل يدل على المصدر، فاضطُروا لذلك إلى إضمار "أنْ" لِما ذكرت لك.

وأمّا مجيئه بعد غير الفعل فهو أسهل في اعتقاد المصدر, لأنه ليس هناك فعل يجوز عطف هذا الفعل المتأخر عليه، ألا ترى أنك إذا قلت: "أيْنَ بيتُك؟ " ليس هناك فعل يعطف عليه "أزورك"، فحمل على المعنى؛ لأنّ معناه "ليكنْ تعريفُ بيتك منك فزيارةٌ منِّي"؛ لأنّ معنَى "أين بيتك": "عَرِّفْنِي".

واعلم أن هذه الفاء التي يجاب بها تعقد الجملة الأخيرة بالأولى، فتجعلهما جملة واحدة، كما يفعل حرفُ الشرط، ولو قلت: "ما تزورُني، فتحدّثُني"، فرفعتَ "تحدّثني"، لم يكن الكلام جملة واحدة، بل جملتين, لأنّ التقدير: "ما تزورُني، وما تحّدثُني"، فقولك: "ما تزورني" جملة على حِيالها، و"ما تحدّثني" جملة ثانية كذلك. والكوفيون يقولون في مثل هذا وأشباهه: إنه منصوب على الصرف، وهذا الكلام، إن كان المراد به أنّه لمّا لم يُرَد فيه عطف الثاني على لفظ الفعل الأول، صُرف عن الفعليّة إلى معنى الاسميّة بأن أضمروا "أنْ"، ونصبوا بها، فهو كلام صحيح. وإن كان المراد أن نفس الصرف الذي هو المعنى عامل، فهو باطل, لأنّ المعاني لا تعمل في الأفعال النصبَ، إنما المعنى يعمل فيها الرفع، وهو وقوعه موقعَ الاسم كما كان الابتداء الذي هو معنى عاملاً في الاسم، فاعرفه.

فصل [معنيا الجملة المتضمّنة فاء السببيّة]

قال صاحب الكتاب: ولقولك: "ما تأتينا فتحدثنا" معنيان أحدهما "ما تأتينا فكيف تحدثنا" أي "لو أتيتنا لحدثتنا, والآخر "ما تأتينا أبدًا إلا لم تحدثنا", أي منك إتيان كثير ولا حديث منك وهذا تفسير سيبويه (١).

* * *

قال الشارح: إذا قلت: "ما تأتينا فتُحدِّثَنا"، فيجوز في الفعل الثاني النصب والرفع، فالنصب يشتمل على معنيَيْن يجمعهما أن الثاني مخالف للأوّل. فأحدُ المعنيين: ما تأتينا مُحدّثًا، أي: ما تأتينا إلَّا لم تُحدّثْنا، أي: قد يكون منك إتيانٌ، ولا يكون منك حديث.

والوجه الآخر: ما تاتينا، فكيف تحدّثنا؟ فهذا معنى غير المعنى الأوّل, لأنّ معناه: لو زُرْتَنا، لَحدّثتَنا، فأنت الآنَ نافٍ للزيارة، ومُعْلِمٌ أن الزيارة لو كانت، لكان الحديثُ. وأمّا الرفع، فعلى وجهين أيضًا:


(١) الكتاب ٣/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>