قال الشارح: قد تقدّم قولنا: إِنّ تأكيدَ المضمر المرفوع بالنفس والعين من غيرِ تقدّمِ تأكيدِ مضمرٍ منفصلٍ قبيحٌ، وهو جائزٌ مع قُبْحه. وهو مع بعضِ المضمرات أقبحُ، فقولُك:"زيدٌ جاء نفسُه" أقبحُ من قولك: "جئتُ نفسي"؛ لأنّه في المسألة الأُولى ربّما أوقع لَبْسًا. وقولُك:"قمتُ نفسي" أقبحُ من قولك "قُمْنَا أنفسُنا"؛ لأنّ في هذه المسألة الضميرَ بارزٌ، وهو على حرفَيْن كالأسماء الظاهرة من نحوِ "يَدٍ"، و"أَبٍ"، وفي المسألة الأوُلى على حرف واحد، فكان بعيدًا من المتمكّنة.
وأمّا الضميرُ المنصوب والمجرور، فيجوز تأكيدُهما بالنفس والعين، وإن لم يتقدّمهما تأكيدٌ, لأنّه لا لَبْسَ فيهما, وليسا من الفعل كالجُزْء منه، كما كان ضميرُ الفاعل.
فالتأكيد بالنفس والعين مختصّ بهذه التفْصلة، أي بين تأكيدِ ضميرِ المرفوع بالنفس والعين، وبين تأكيد ضميرِ المنصوب والمجرورِ بهما، للفرق الذي ذكرناه.
وليس بين تأكيدهنّ بغيرِ النفس والعين فصلٌ، بل ذلك سائغٌ جائزٌ، فلذلك قال:"وفيما سِواهما" يعني: النفسَ، والعينَ، لا فَضلَ في جوازِ ثلاثتها، فلذلك تقول:"الكتابُ قُرىء كلُّه"، فتُؤكّد الضميرَ المستكِنَّ من غيرِ تقدُّمِ تأكيدِ مضمر؛ لما ذكرناه من غَلَبَةِ التأكيد على "كُلّ"، فكانت كـ"أجمعين" فاعرفه.
[فصل [التأكيد بـ "كل" و "أجمع"]]
ثال صاحب الكتاب: ومتى أكدت بـ"كل" و"أجمع" غير جمع, فلا مذهب لصحته حتى تقصد أجزاءه، كقولك قرأت الكتاب، وسرت النهار كله وأجمع" و"تبحرت الأرض وسرت الليلة كلها وجمعاء".
* * *
قال الشارح: قد تقدُّم قولنا: إِنّ "كُلاًّ" و"أجمع" معناهما الإحاطةُ والعمومُ، فلا يؤكَّد بهما إلاّ ما يتبعّضُ، ويصحّ تَجْزِئَتُه، فتقول: "قرأتُ الكتابَ كلَّه"؛ لأنّه يُمكِن قِراءةُ بعضه، و"سرتُ النهارَ أجمعَ"، لإمكانِ سَيْرِ جُزْءٍ منه، و"تبحرتُ الأرضَ"، أي: توسّعتُ فيها، و"سرتُ الليلةَ جَمْعاءَ". كلُّ هذه الأشياء يجوز تأكيدُها بـ"كل" و"أجمع"؛ لإمكانِ تجزئتها وتبعُّضِها.
وقوله: "لا مذهبَ لصحّته حتّى تقصِد أجزاءَه"، يريد: إذا كان العاملُ ممّا يقبَل التجزئةَ، نحوَ: "رأيتُ زيدًا"، و"ضربتُ عمرًا"، لأنّ الرؤية والضربَ يجوز أن يقعا ببَعْضه، وأن يقعا بكُلّه، فجاز تأكيدُه بـ"كل"، و"أجمع"، إذا أريد جميعُ أجزائه. ولو قلت: "جاء زيدٌ أو أقبلَ محمّدٌ كلُّه أو أجمعُ"، لم يصحّ؛ لأن المَجيء والإقبالَ لا يصحّ من أجزائهما، فإن أردتَ أنّه جاء سالم الأعضاء لم يُفقَد منها شيءٌ نحو اليَدَيْن والرّجْلَيْن، لم يبعُد جوازُه.