للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب الكوفيون إلى أنها مركّبة، وأصلُها "إنَّ" زيدت عليها "لا" و"الكافُ". وهو قول حسن لندرة البناء، وعدم النظير، ويؤيّده دخولُ اللام في خبره، كما تدخل في خبرِ "إنَّ" على مذهبهم. ومنه [من الطويل]:

ولكنّني مِن حُبّها لَعَمِيدُ (١)

والمذهب الأوّل لضُعْف تركيب ثلاثة أشياء وجَعْلِها حرفًا واحدًا.

ومعناها الاستدراك، كأنك لمّا أخبرتَ عن الأوّل بخبرٍ، خفت أن يُتوهّم من الثاني مثلُ ذلك، فتداركتَ بخبره إن سَلْبًا أو إيجابًا. ولابدّ أن يكون خبر الثاني مخالفًا لخبر الأوّل لتحقيق معنى الاستدراك، ولذلك لا تقع إلَّا بين كلامَيْن متغايرَيْن في النفي والإيجاب، فهي شبيهةٌ بـ "أنَّ" المفتوحة في كونها لا تقع أوّلًا، إلَّا أنّ "أنَّ" في تقديرِ مفرد، و"لكِنَّ" في تقديرِ جملة. ولهذا يُعْطَف على موضعها بالرفع، كما يعطف على موضع "إنَّ" المكسورة، فاعرفه.

[فصل [التغاير في المعني بمنزلته في اللفظ]]

قال صاحب الكتاب: والتغاير في المعنى بمنزلته في اللفظ كقولك: "فارقني زيدًا لكن عمراً حاضرٌ"، و"جاءني زيدٌ لكن عمراً غائبٌ"، وقوله عز وجل: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} (٢) على معنى النفي, وتضمن: ما أراكهم كثيراً.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول: إنّ "لكِنّ" المشدّدة والخفيفة سِيّان في الاستدراك، وأنّ ما بعدهما يكون مخالفًا لِما قبلهما. فالخفيفةُ يُوجَب بها بعد نفي، ويُشْرَك الثاني والأوّل في عمل العامل, لأنها عاطفةٌ مفردًا على مفرد، كقولك: "ما جاءني زيدٌ لكنْ عمرٌو"، فتُشْرِك بينهما في الإعراب الذي أوجبه العاملُ. وليس كذلك المشدّدة، فإنّها تدخل على جملة تصرفها إلى الاستئناف. ولشَبَهها بالخفيفة لا يكون ما بعدها إلَّا مخالفًا لِما قبلها مُغايِرًا له.

وتقع بعد النفي والإثبات، فإن كان ما قبلها موجبًا؛ كان ما بعدها منفيًا. وإن كان ما قبلها منفيًا؛ كان ما بعدها موجبًا؛ لأن ما بعدها كلامٌ مستغنٍ، فمعناه يُنْبِىء عن المغايَرة، ولا حاجةَ إلى الأداة النافية، بل إن كان؛ فحسنٌ، وإن لا؛ فلا ضرورةَ إليه.


(١) تقدم بالرقم ١١٠٥.
(٢) الأنفال: ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>