والأصلُ في "لَيْسَ": "لَيِسَ" على زنةِ "حَرِجَ"، و"صَعِدَ". وإنما قلنا ذلك؛ لأنه قد قامت الدلالة على أنه فعلٌ. فالأفعالُ الماضية الثلاثية على ثلاثة أضرب:"فَعَلَ"، كـ"ضَرَبَ"، و"قَتَلَ"، و"فَعِلَ"، كـ"عَلِمَ"، و"سَلِمَ"، و"فَعُلَ"، كـ"ظَرُفَ"، و"شَرُفَ"، وليس فيها ما هو على زنةِ "فَعْلَ" بسكون العين. وإذا كان كذلك، وجب أن لا يخرج عن أبنية الأفعال، فلذلك قلنا: إن أصله "لَيِسَ" على "فَعِلَ" بكسر العين، فيكون من قبيل "صَيِدَ البعيرُ" إذا رفع رأسه من داء. وكان قياسه أن تقلب الياء فيه ألفًا؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها على حدّ "باعَ" و"سارَ"، إلّا أنّهم لمّا لم يريدوا تصرُّف الكلمة، أبقوها على حالها، ثمّ خفّفوها بالإسكان على حدّ قولهم في "كَتِفٍ": "كَتْفٌ"، وفي "فَخِذٍ": "فَخْذٌ"، وألزموها التخفيفَ؛ لعدم تصرّفها ولزومِ حالة واحدة.
وإنما قلنا إن أصله "فَعِلَ" بالكسر؛ لأنه لا يخلو من أن يكون على "فَعَلَ" أو "فَعُلَ" أو "فَعِلَ" على ما ذكرنا، فلا يجوز أن يكون على "فَعَلَ" بالفتح؛ لأنه لو كان مفتوحًا، لم جرّ إسكانه؛ لأنّ الفتحة خفيفة. ألا ترى أنهم لا يخففون نحوَ "قَلَمٍ"، و"جَبَلٍ"، بالسكون؟ ولا يجوز أن يكون على "فَعُلَ" بالضمّ, لأنّ هذه البناء لم يأتِ من بناته الياء، فلمّا امتنع أن يكون على "فَعَلَ"، و"فَعُلَ"، تَعيّن أن يكون "فَعِلَ" بالكسر، وصُحح كما صُحّح "صَيِدَ البعيرُ". وليس المراد أن العلّة واحدة وإنما ذلك لإبداء النظير، وذلك لأنّ العلّة في تصحيح "لَيْسَ" إرادةُ عدم التصرّف، والعلّة في تصحيح "صَيِدَ" إنما هو لأنه في معنَى "أصيَدَ" كـ"عَوِرَ"، و"حَوِلَ"، إذ كانا في معنى "أعْوَرَ"، و"أحوَلَ".
[فصل [نوعا الأفعال الناقصة من حيث تقديم خبرها عليها]]
قال صاحب الكتاب: وهذه الأفعال في تقديم خبرها على ضربين, فالتي في أوائلها "ما" يتقدم خبرها على اسمها لا عليها، وما عداها يتقدم خبرها على اسمها وعليها, وقد خولف في "ليس" فجعل من الضرب الأول. والأول هو الصحيح.
* * *
قال الشارح: قد تقدّم أن هذه الأشياء لما كانت داخلة على المبتدأ والخبر، وكانت مقتضية لهما جميعًا، وجب من حيث كانت أفعالًا بالدلائل المذكورة، أن يكون حكمُ ما بعدها كحكم الأفعال الحقيقية، وكانت الأفعال الحقيقية ترفع فاعلًا، وتنصب مفعولًا، فرفعت هذه الاسمَ، ونصبت الخبرَ ليصير المرفوع كالفاعل، والمنصوب كالمفعول من نحوِ:"كان زيدٌ قائمًا"، كما تقول:"ضرب زيد عمرًا".
ولمّا كان المرفوع فيها كالفاعل، والفاعلُ لا يجوز تقديمه على الفعل، لم يجز تقديم أسماء هذه الأفعال عليها. ولمّا كان المفعول يجوز تقديمُه على الفاعل، وعلى