للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [مواضع فاء الجزاء]]

قال صاحب الكتاب: وإن كان الجزاء أمراً، أو نهياً، أو ماضياً صريحاً، أو مبتدأ وخبراً، فلا بد من الفاء كقولك: "إن أتاك زيدٌ فأكرمه"، و"إن ضربك, فلا تضربه"، و"إن أكرمتني اليوم, فقد أكرمتك أمس"، و"إن جئتني, فأنت مكرمٌ", وقد تجيء الفاء محذوفة في الشذوذ, كقوله [من البسيط]:

من يفعل الحسنات الله يشكرها ... [والشر بالشر عند الله مثلان] (١)

ويقام "إذا" مقام الفاء. قال الله تعالى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (٢).

* * *

قال الشارح: قد ذكرنا أن الشرط والجزاء لا يصحّان إلَّا بالأفعال، أمّا الشرط فلأنّه علّةٌ وسببٌ لوجود الثاني. والأسبابُ لا تكون بالجوامد، إنما تكون بالأعراض والأفعال. وأمّا الجزاءُ، فأصلُه أن يكون بالفعل أيضًا؛ لأنه شيءٌ موقوفٌ دخولُه في الوجود على دخول شرطه. والأفعالُ هي التي تحدُث وتنقضي، ويتوقف وجودُ بعضها على وجود بعض، لا سيّما والفعلُ مجزومٌ؛ لأن المجزوم لا يكون إلَّا مرتبطًا بما قبله، ولا يصحّ الابتداءُ به من غير تقدُّم حرف الجزم عليه.

وأمّا إذا كان الجزاء بشيء يصلح الابتداءُ به، كالأمر والنهي والابتداء والخبرِ، فكأنّه لا يرتبط بما قبله. وربمّا آذن بأنّه كلام مستأنَف غير جزاء لما قبله، فإنّه حينئذ يفتقر إلى ما يربطه بما قبله، فأتوا بالفاء؛ لأنها تفيد الاتّباعَ، وتُؤذِن بأنّ ما بعدها مسبَّبَ عمّا قبلها، إذ ليس في حروف العطف حرفٌ يوجَد فيه هذا المعنى سوى الفاء، فلذلك خصّوها من بين حروف العطف، ولم يقولوا: "إنْ تُحْسِنْ إليّ واللهُ يجازيك"، ولا "ثُمَّ الله يجازيك".

فمن ذلك قولك: "إن أتاك زيدٌ فأكْرِمْه". ألا ترى أنّه لولا الفاءُ، لم يُعْلَم أنّ الإكرام متحقِّقٌ بالإتيان، وكذلك "إن ضربك عمرو فلا تضربْه"، فالأمرُ هنا والنهيُ ليسا على ما يُعْهَد في الكلام وجودُهما مبتدَأيْن غيرَ معقودَيْن بما قبلهما. ومن أجل ذلك احتاجوا إلى الفاء في جواب الشرط مع المبتدأ والخبر, لأنّ المبتدأ ممّا يجوز أن يقع أوّلا غير مرتبط بما قبله. وذلك نحوُ قولك: "إن جئتَني فأنت مُكْرَمٌ"، و"إن تُحْسِن إليّ فاللهُ يُجازيك"، فموضعُ الفاء وما دخلتْ عليه جزمٌ على جواب الشرط. يدل على ذلك قوله تعالى في قراءةِ نافع: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ} (٣) بالجزم.


(١) تقدم بالرقم ١١٧٢.
(٢) الروم: ٣٦.
(٣) البقرة: ٢٧١. وهي أيضًا قراءة حمزة وعاصم والكسائي وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>