للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك "مُنذُ" حرّكوا الثاني منهما؛ لأنّهم لو حرّكوا الأول لذهب وزنُ الكلمة، فلا يُعْلَم هل هو ساكنُ الوسط، أو متحرّك؟ لأنّ اجتماع الساكنين في كلمة واحدة يقع لازمًا.

ومن ذلك "رجلانِ" و"غلامانِ"، و"مسلمونَ"، و"صالحون"، حرّكوا فيها الساكن الثاني دون الأول، إذ كان تحريك الأوّل منهما ممتنعًا. وكذلك عدلوا عن تحريك الأوّل فيما ذكره من قولهم في الأمر: "انْطَلْقَ يا زيدُ" والأصلُ: انْطَلِقْ، فشبّهوا "طَلِقْ" منه "بكَتِفٍ"، فأسكنوا اللام على حدّ إسكان "كَتْفٍ"، فالتقى ساكنان، ففتحوا القاف، وأتبعوها حركةَ أقربِ المتحرّكات إليها، وهو فتحةُ الطاء، ولم يُحرِّكوا اللام, لأنّه يكون نقضًا لغرضهم فيما اعتزموه من التخفيف، وكذلك قول الشاعر [من الطويل]:

أَلَا رُبَّ مَوْلُودٍ وليس له أَبٌ ... وذي وَلَدٍ لم يَلْدَهُ أَبَوانِ (١)

والأصل: "يَلِدْهُ" بكسر اللام، فشبّهوه أيضًا بـ "كَتِف"، فأسكنوا اللام، ثمّ فتحوا الدال على ما تقدّم. ومن ذلك قوله تعالى في قراءة حَفْص. {ويخش الله ويَتَّقْه} (٢) بإسكان القاف، وكسر الهاء. وذلك أنّ الأصل: "يَتَّقِي"، فجزم بحذف الياء، ثمّ أدخلوا هاء السكت، فصار "يَتَّقهْ" بكسر القاف، وسكون الهاء، فشُبّه "تَقِهْ" منه بـ"كتف" على ما ذكرنا، فأُسكنت القافُ، فالتقى ساكنان: القاف والهاء، فكُسرت الهاء.

ومن ذلك "رُدَّ" في الوقف، و"لم يَرُدَّ" في الجزم، فإنّ بني تميم وغيرهم من العرب ما خلا أهل الحجاز يدّغمون هذا النوع, لأنّهم شبّهوه بالمعرب المرفوع والمنصوب، نحو: "هو يَرُدُّ"، و"لن يَرُدّ"، وكلُّ العرب تدّغم هذا المعرب. ووجهُ الشبه بينهما أنّهم رأوا آخِرَ "اردُدْ"، ونحوه تتعاقب عليه الحركاتُ للبناء، كما تتعاقب حركاتُ الإعراب على آخِر المعرب. فلمّا رأوه مثلَه في التحريك، ادّغموه. وذلك قولهم: "ازدُدِ القومَ"، و"ارْدُدِ ابْنَك"، و"ردَّنَّ زيدًا"، و"رُدُّنْ يا رجال". وحيث ادُّغم، وجب تحريكُ الآخِر لالتقاء الساكنين، ولم يحرّكوا الأولِ، لِما أرادوه من التخفيف بالادّغام، فلو حرّكوا الأوّل لبطل الادّغامُ، وانتقض الغرضُ من الادّغام.

فصل [الأصل فيما حُرِّك من الساكنين الملتقيين]

قال صاحب الكتاب: والأصل فيما حرك منهما أن يحرِّك بالكسر، والذي حُرّك بغيره فلأمر، نحو ضَمِّهم في نحو: و {وَقَالَتِ اخْرُجْ} (٣) , و {عذابن


(١) تقدم بالرقم ٥٥٤.
(٢) النور: ٥٢. وانظر: معجم القراءات القرآنية ٤/ ٢٦٥.
(٣) يوسف: ٣١. وهذه قراءة ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي. انظر: معجم القراءات القرآنية ٣/ ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>