للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غريبة. فأمّا إذا كانت من نفس الكلمة، حرّكوها بالكسر على أصل التقاء الساكنين، إذ لم يكن ثم حركةٌ محذوفةٌ تُحرَّك بها.

وقد كسر قومٌ الواو إذا كانت اسمًا، فقالوا: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} (١) حملاً على الحرف الأصليّ، وضمّ قومٌ الحرفَ، فقالوا {وأن لَوُ استقاموا} (٢) تشبيهًا لها بالاسم، وذلك قليل.

وكذلك الياء المفتوحُ ما قبلها إذا كانت اسمًا كُسرت، كأنّهم جعلوا حركتَها منها، كما جعلوا حركةَ الواو منها. وعلى القول الآخر حرّكوها بحركة الحرف المحذوف قبلها، إذ الأصلُ في "اخْشَيْ": "اخْشَيِي"، كما قلناه في الواو.

فأمّا الواو في "مُصْطَفَوْنَ"، فمُشبَّهة بالواو في "اخْشَوْا"، و"رَمَوْا"؛ لأنّها زائدة مثلُها تفيد الجمعَ كما كانت في "اخشوا"، و"رموا" كذلك، فثبتت، ولم تُحذف؛ لئلّا يلتبس الجمعُ بالواحد، ألا تراك لو أخذت تحذف الواو لالتقاء الساكنين، لالتبس بالواحد في "مُصْطَفَى اللهِ"؟ وحُرّك بالضمّ كما حرّك في "رَمَوُا القومَ". وكذلك الياء تُكسر لالتقاء الساكنين، فتقول: "مصطفَيِ الله" حملاً على "اخشَىِ الله"، فاعرفه.

قال: "ومن ذلك الابْن، والاسْم، والانْطِلاق، والاسْتغفار"، يريد وممّا حُرّك الأوّل فيه للساكن بعده بالكسر، وذلك أنّ الأوّل من "ابن"، و"اسم" ساكنٌ، ودخلت همزةُ الوصل توصّلاً إلى النطق بالساكن. فلمّا دخلت عليه لامُ التعريف، استُغني عن همزة الوصل، فحذفوها، فالتقى ساكنان: اللام التي للتعريف وفاء الكلمة، فحُرّكت اللام بالكسر. وكذلك "الانطلاق"، و"الاستغفار".

وقوله: "أو تحريك أخيه"، يريد الساكن الثاني، فإنّ الغرض الانفصالُ من التقاء الساكنين. وكما يحسن ذلك بتحريك الأوّل، كذلك يحسن بتحريك الثاني، والأوّلُ هو الأصل، ومقتضَى القياس، فلا يُعْدَل عنه إلّا لعلّةٍ. وإنّما قلنا: إِنّ الأصل تحريك الأوّل من قِبَل أن سكون الأوّل منع من الوصول إلى الثاني، فكان تحريكه من قبيل إزالة المانع، إذ بتحريكه يُتوصّل إلى النطق بالثاني، وصار بمنزلة ألفات الوصل التي تدخل متحرّكةً توصُّلاً إلى النطق بالساكن بعدها.

فأمّا قولهم: "أَيْنَ" و"كَيْفَ"، فمعدولٌ بهما عن القياس بتحريك الساكن الثاني دون الأوّل لمانع، وذلك أنّا لو حرّكنا الأوّل، وهو الياء في "أين" و"كيف"، لانقلبت ألفًا؛ لْتحرُّكها وانفتاحِ ما قبلها على حكم التصريف، إذ الحركة تقع لازمةً. ولو قُلبت ألفًا لزم تحريك النون لسكونها، وسكون الألف قبلها. فلمّا كان يؤدّي تحريكُ الأوّل إلى تغيير بعد تغيير، حرّكوا الثاني من أوّل الأمر، واستغنوا بذلك عن تحريك الأوّل.


(١) البقرة: ٢٣٧.
(٢) الجن:١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>