وهذا القلب والادغام على ثلاثة أضرب: ضربٌ يُقْلَب الأوّل إلي لفظ الثاني، ثمّ يُدّغم فيه، وهذا حقُّ الادغام، وضرب يقلب فيه الثاني إلى لفظ الأوّل، فيتماثل الحرفان، فيُدّغم الأوّل في الثاني، وضربٌ يُبْدَل الحرفان معًا فيه ممّا يقاربهما، ثمّ يدّغم أحدهما إلى الآخر، وسيوضَح ذلك مفضَّلًا إن شاء الله تعالى.
[فصل [أوجه التقاء الحرفين المتقاربين]]
قال صاحب الكتاب: ولا يخلو المتقاربين من أن يلتقيا في كلمة, أو كلمتين, فإن التقيا في كلمة, نُظر: فإن كان ادّغامهما يؤدي إلى لبس, لم يجز, نحو:"وتد" و"عتد" و"وتد يتد" و"كنية"، و"شاةٍ زنماء"، و"غنم زنم". ولذلك قالوا في مصدر "وطد" و"وتَدَ": "طِدَةً" و"تِدَةً". وكرهوا "وطداً", و"وتداً"؛ لأنهم من بيانه وادغامه بين ثقل ولبس، وفي "وتد يتد" مانعٌ آخر, وهو أداء الادغام إلى إعلالين, وهما حذف الفاء في المضارع والادغام، ومن ثم لم يبنوا نحو:"وددت" بالفتح؛ لأن مضارعه "كان يكون" فيه إعلالان، وهو قولك:"يَدُّ". وإن لم يلبس جاز نحو:"امَّحى", و"همرش" وأصلهما: "انمحى" و"هنمَرشٌ"، لأن "افَّعَلَ" و"فَعَّلِلاً" ليس في أبنيتهم, فأمن الإلباس. وإن التقيا في كلمتين بعد متحرك أو مدة, فالادغام جائزٌ؛ لأنه لا لبس فيه، ولا تغيير صيغة.
* * *
قال الشارح: اعلم أنَّ الحروف المتقاربة تجري مجرى الحروف المتماثلة في الادغام؛ لأنّ المتقاربين كالمتماثلين؛ لأنّهما من حيّز واحد، فالعلّةُ الموجِبةُ للادغام في المثلين قريبٌ منها في المتقاربين, لأنّ إعادة اللسان إلى موضع قريب ممّا رفعتَه عنه كإعادته إلى نفس الموضع الذي رفعتَه عنه، ولذلك، شبّه بمَشْي المقيَّد. فإذا التقى حرفان متقاربان، ادُّغم الأوّل منهما في الثاني، ولا يمكن ادغامُه حتى يُقلب إلى لفظ الثاني. فعلى هذا لا يصحّ الادغام إلّا في مثلين، إذ لو تركتَه على أصله من لفظه، لم يجز ادغامُه لما فيهما من الخلاف, لأنّ رفع اللسان بهما رفعةً واحدةً مع اختلاف الحرفين محالٌ؛ لأنّ لكلّ حرف منهما مخرجًا غيرَ الآخر.
ولا يمتنع ذلك في المتماثلين؛ لأنّ المخرج واحد يمكن أن يجمعهما في العمل، فيقع اللسانُ عليهما وقعًا واحدًا من حيث لا يفصل بينهما زمانٌ. فالادغامُ في المتقاربة على التشبيه بالأمثال، فكلما كانت أشدَّ تقارُبًا، كان الادغامُ فيهما أقوى. وكلّما كان التقارب أقلَّ، كان الادغام أبعدَ.
والحروفُ المتقاربةُ كالمتماثلة في أنّها تكون منفصلة أو متّصلة، فالمنفصلةُ ما كان