للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السين من قوله تعالى: {يكاد سنا برقه} (١) فاقلب الدال أولاً سينًا, ثم ادّغمها في السين, فقل: "يكا سَّنَا برقه". وكذلك التاء في الطاء من قوله تعالي: {وقالت طائفة} (٢).

* * *

قال الشارح: الحروف المتقاربة في الادغام كالأمثال؛ لأن العلة الموجِبة للادغام في المثلين موجودة في المتقاربين، إذ قربت منها، وذلك لأنّ إعادة اللسان إلى موضع قريب ممّا رفعتَه عنه، كإعادته إلى نفس الموضع الذي رُفع عنه ولذلك شُبّه بمَشْي المقيَّد؛ لأنّه يرفع رِجْله ويضعها في موضعها الذي كانت فيه، أو قريبًا منه، فيثقُل ذلك عليه. كذلك اللسانُ إذا رفعتَه عن مكان، وأعدتَه إليه، أو إلى قريب منه، ثقُل ذلك، فلذلك وجب الادغامُ، إلا أنّك إذا ادغمتَ المثلين المتحرّكين، عملتَ شيئين: أسكنتَ الأوّل وادغمتَه في الثاني مثلَ "جَعَلَ لَكَ"، و"جَعَلَ لَهُمْ".

فإن كان الأوّل ساكنًا قبل الادغام عملتَ شيئًا واحدًا, وهو الادغام مثلُ: "قُلْ لَهُ"، و"اجْعَلْ لَهُ". وإذا ادغمتَ المتقاربين المتحرّكين، عملتَ ثلاثة أشياء. أسكنتَ الأوّل منهما، وقلبتَ الحرف الأول إلى لفظ الثاني، وادغمتَ، نحو "بَيْتُ طائِفَةٍ". وإن كان أحدُ المتقاربين ساكنًا في أصله مثلَ لام المعرفة؛ فليس إلّا عَمَلان: قلبُ الأوّل، وادغامُه، مثلُ: "الرّجل"، و"الذّاهب"؛ لأنّ لام المعرفة في اللفظ من لفظ الحرف الذي بعدها، وهي لامٌ في الخطّ. فإذا التقى حرفان متقاربان ادُّغم الأوّل منهما في الثاني، ولا يمكن ادغامُه حتى يُقْلَب إلى لفظ الثاني. فلو أخذتَ في ادّغام المُقارِب في مقاربه من غير قلب، استحال؛ لأنّ الادغام أن تجعلَ الحرفين كحرف واحد، ترفع اللسان بهما رفعةً واحدةً، وذلك لا يتأتّى مع اختلاف الحرفين, لأنّ الحرفين، وإن تَقارب مخرجاهما، فهما مختلفان في الحقيقة، فيستحيل أن يقع عليهما رفعةٌ واحدةٌ، فلذلك وجب قلبُه إلى لفظ الثاني.

وهذا معنى قوله: "إذا ريم ادِّغام الحرف في مقاربة"، أي: إذا قُصد، وطُلب. فعلى هذا لا يصح الادغامُ على الحقيقة إلّا في المثلين. من ذلك قوله عر وجل: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} (٣)، فإذا أردتَ ادّغام الدال في السين لتقارُب مخرجيهما، أبدلتَ من الدال سينًا، ثم ادغمتَ السين في السين، وقلت: "يكا سّنا برقه".

وكذلك قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ} (٤)، تبدل من التاء طاء، ثم تدّغمها حينئذ. وهذا الإبدالُ إنّما يكون في المنفصلين بسكون الحرف الأول, لأنّه لامٌ، ولا يُخِل ببناء الكلمة.


(١) النور: ٤٣.
(٢) آل عمران: ٧٢.
(٣) النور: ٤٣.
(٤) آل عمران: ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>