للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مَفارِق الرأس طيبًا"، دلّ على أنّ الطيب داخلٌ في الرؤية، فَنَصَبَه على هذا التأويل، ومثلُه قوله [من السريع]:

١٨٣ - تَذَكرَتْ أَرْضًا بها أَهْلَهَا ... أَخْوَالَها فيها وأعمامَها

لأنّ الأخوال، والأعمامَ قد دخلوا في التذكُّر، وقد رَدَّ هذا وأشباهَه أبو العباس المبرَّدُ، وذكر أنّ مثل هذا لا يجوز، لأنّه لا يُحْمَل على المعنى إلّا بعد تَمامِ الكلام الأولِ, لأنّه حملٌ على التأويل، ولا يصح تأويل الكلام إلّا بعد تَمامه.

وأما التقديرُ: لن تراها -وإن تأمّلتَ- إلّا رأيتَ لها في مفارقِ الرأس طيبًا، فهو منصوبٌ بإضمار فعلٍ، وإليه ذهب صاحبُ هذا الكتاب.

[فصل [شواهد على حذف العامل]]

قال صاحب الكتاب: قال سيبويه (١): وهذه حُجَجٌ سُمعت من العرب، يقولون: "اللَّهُمَّ ضَبُعًا، وذِئْبًا" (٢)، وإذا سألتَهم ما تعنون؟ قالوا: اللهمّ اجْمَعْ فيها ضبعًا وذئبًا، وسمع أبو الخطّاب بعضَ العرب، وقيل له: لِمَ أفسدتم مكانَكم؟ فقال: "الصِّبْيانَ بأَبِي أي: لُمِ الصبيانَ. وقيل لبعضهم: أمَا بمكانِ كذا وَجْذٌ؟ فقال: "بَلَى وِجاذًا أي: أَعرِفُ به وجاذًا".

* * *

قال الشارح: قوله: "وهذه حُجَجٌ سُمعت من العرب" يعني شَواهِدَ من كلام العرب


١٨٣ - التخريج: البيت لعمرو بن قميئة في خزانة الأدب ٤/ ٤٠٧؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ٤٢٧؛ والمحتسب ١/ ١١٦.
الإعراب: "تذكرت": فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث لا محل لها. "أرضًا": مفعول به منصوب بالفتحة. "بها": جار ومجرور متعلقان بالفعل المقدّر تذكّرت. "أهلَها": مفعول به منصوب بالفتحة للفعل المقدّر، و"ها": في محل جرّ بالإضافة. "أخوالها": بدل من "أهلها" منصوب بالفتحة، وها: في محل جر بالإضافة. "فيها": جار ومجرور متعلقان بحال من "أخوالها". "وأعمامَها": الواو: حرف عطف، "أعمام": معطوف على "أخوالها" وها: مضاف إليه محله الجر. وجملة "تذكرت": ابتدائية لا محل لها. وجملة "تذكرت أهلها": في محلّ نصب صفة للأرض.
والشاهد فيه: نصب "أهلها" على إضمار فعل دَلَّ عليه ما قبله، والتقدير: تذكرت أهلهما فيها وأعمامَها.
(١) الكتاب ١/ ٢٥٥.
(٢) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في خزانة الأدب ٤/ ١٨؛ ولسان العرب ٨/ ٢١٨ (ضبع)، ١١/ ٧٢٢ (وجل)؛ والمستقصى ١/ ٢٧٢، ٣٤٢.
المعنى: اجمع الضبع والذئب. وإذا اجتمعا في الغنم تمانعا، فيسلم الغنم. يقوله الرجل في الدعاء لغنمه. وقيل: يقال في الدعاء على غنم الأعداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>