للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لزَيد، فكأنه قيل: لا أقسم إلَّا بيوم القيامة ولا يمتنع القسمُ بيوم القيامة، وكذلك ما كان في معناه. ومن ذلك قول العجّاج [من الرجز]:

في بئْرِ لا حورٍ سرى وما شَعَرْ

المراد في بئر حور، و"لا" مزيدةٌ. هكذا فسّره أبو عبيدة. والحُورُ: الهَلَكَةُ، أي: في بئر هلكة سرى وما شعر، فالجارُّ متعلّقٌ بـ "سَرَى". وقالوا: "ما جاءني زيدٌ ولا عمرٌو". قالوا: وهي التي جمعتْ بين الثاني والأول في نفي المجيء، و"لا" حقّقتْ المنفيّ وأكدتْه، ألا ترى أنّك لو أسقطتَ "لا"، فقلت. "ما جاءني ريدٌ وعمرٌو"، لم يختلف المعنى. وذهب الرُّمّانيّ في شرح الأُصول إلى أنّك إذا قلت: "ما جاءني زيدٌ وعمرٌو"، احتمل أن تكون إنما نفيتَ أن يكونا اجتمعا في المجيء. فهذا الفرقُ بين المحقِّقة والصلة، فالمحقّقةُ تفتقر إلى تقديّم نفي، والصلةُ لا تفتقر إلى ذلك. فمثالُ الأوّل قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ} (١) وَ"لا" ها هنا المحققةُ، وقال: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} (٢) و"لا" فيه المؤكدة، والمعنى: لا تستوي الحسنةُ والسيئةُ، لأنّ "استوى" من الأفعال التي لا تكتفي بفاعل واحد، كقولنا: "اختصم"، و"اصطلح" وفي الجملة لا تزاد إلَّا في موضع لا لَبْسَ، فيه فاعرفه.

فصل [زيادة "مِنْ"]

قال صاحب الكتاب: وتُزاد "من" عند سيبويه في النفي خاصة لتأكيده وعمومه (٣)، وذلك نحو قوله تعالى: {ما جاءنا من بشير ولا نذير} (٤). والاستفهام كالنفي. قال الله تعالى: {هل من مزيد} (٥) , وقال تعالى: {هل من خالق غير الله} (٦) , وعن الأخفش زيادته في الإيجاب.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ "منْ" قد تزاد مؤكدةً، وهو أحدُ وجوهها، وإن كان عملُها باقيًا، والمراد بقولنا: "زائدة" أنها لا تُحْدِث معنًى لم يكن قبل دخولها، وذلك نحو قولك: "ما جاءني من أحدٍ"، فإنّه لا فرق بين قولك: "ما جاءني من أحد"، وبين قولك: "ما جاءني أحدٌ". وذلك أنّ "أحدًا" يفيد العمومَ كـ"دَيّارٍ" و"عَرِيبٍ"، و"من" كذلك، فإذا أُدخلت عليها، صارت بمنزلة تكرار الاسم، نحوِ: "أحدٌ أحدٌ". فأمّا قولك: "ما جاءني من رجل"، فذهب سيبويه إلى أن "من" تكون فيه زائدة مؤكدة. قال (٧): ألا ترى أنك إذا


(١) النساء: ١٣٧.
(٢) فصلت: ٣٤.
(٣) الكتاب ٤/ ٢٢٥.
(٤) المائدة: ١٩.
(٥) ق:٣٠.
(٦) فاطر:٣.
(٧) الكتاب ٤/ ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>