للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أفعل التفضيل]

[فصل [صياغته]]

قال صاحب الكتاب: قياسه أن يصاغ من ثلاثي غير مزيد فيه ليس مما ليس بلون ولا عيب, لا يقال في "أجاب", و"انطلق", ولا في "سَمُرَ" و"عور": هو أجوب منه وأطلق ولا أسمر منه وأعور، ولكن يتوصل إلى التفضيل في نحو هذه الأفعال بأن يصاغ أفعل مما يصاغ منه ثم يميز بمصادرها كقولك: هو أجود منه جواباً، وأسرع انطلاقاً، وأشد سمرة وأقبح عوراً.

* * *

قال الشارح: اعلم أن هذا البناء لاِ يكون إلّا من فعل ثلاثيّ دون ما زاد عليه، وكذلك بناء "أفْعَل" التعجّبِ، نحو: "ما أفْعَلَهُ! " و"أفْعِلْ به! " فكل ما لا يجوز فيه، "ما أفعله" لا يجوز فيه: "هذا أَفْعَلُ من هذا". وإنّما جرى "هذا أفعل من هذا" مجرى التعجّب؛ لاتّفاقهما في اللفظ وتقارُبهما في المعنى. أمّا اللفظ فبناؤهما على "أَفْعَل"، فكما لا يكون "أفعل" في التعجّب ممّا زاد على الثلاثة، فكذلك لا يكون هذا في باب "أفعل من هذا"؛ لاستحالة أن يكون هذا البناء مما زاد على الثلاثة؛ لأن ذلك إنّما يكون بهمزة زائدة أولًا وثلاثةِ أحرف أصولٍ بعدها، فلو رُمْتَ بناء مثلَ ذلك ممّا زاد على الثلاثة، لزمك أن تحذف منه شيئًا، فيكون حينئذ هَدْمًا لا بناءً؛ وأما المعنى فلأنه تفضيل كما أنّه تفضيل، ألا ترى أنّك إذا قلت: "ما أعْلَمَ زيدًا! " كنت مُخْبِرًا بأنه فاق أشكالَه، وإذا قلت: "زيدٌ أعلمُ من عمرٌو"؛ فقد قضيتَ له بالسَّبْق والسُّمُوَّ عليه.

فأمّا الألوان والعُيوب، فإن الخليل (١) اعتل للمنع منه بأنّ الألوان والعيوب تجري مجرى الخَلْق، نحو: "اليَد" و"الرِّجْل"، فكما لا تقول: "ما أيْداه! " ولا "ما أَرْجَلَه! " لبُعْده عن الفعل، فكذلك لا تقول: "ما أَسْوَدَه! "، ولا "ما أَعْوَرَه! "؛ لأنهما معانٍ لازمةٌ تجري مجرى الخلق، وكما لا يجوز: "ما أسوده! " ولا "ما أعوره! " لا يجوز "هذا أسود من هذا" ولا "هذا أعور". وبعضهم احتجّ بأنّ أصلها يرجع إلى ما زاد على الثلاثة، نحو:


(١) الكتاب ٤/ ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>