البيت للكميت، والشاهد فيه نصب "أبدان الجزور" بقوله: "مَهاوِينُ"، وهو جمع "مِهْوانٍ"، و"مِهْوانٌ" تكثير "مُهِينٍ"، كما كان "مِنْحار" تكثير "ناحرٍ"، فعمل الجمعُ عملَ واحده، كما كان اسم الفاعل كذلك، وصف قومًا بالعزّ والأنَفَة، وكنَّى عن ذلك بالشَّمَم، وهو ارتفاعُ الأنْف، كما يُقال للعزيز:"شامخُ الأنْفِ". والأبْدان: جمع "بَدَنَةٍ"، وهي الناقة المتّخَذة للنحر، يريد أنهم يهينون الإبلَ، فينحرونها للأضياف. وقوله:"مخاميص العَشياتِ"، المراد أنّهم يجوعون في العَشايا, لأنّهم يؤخرون عَشاءَهم رَغْبَةً في حضورِ ضَيْف. والخُورُ: الضعفاء. والقَزَمُ: الأرذال من الناس، ولا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث لأن أصله المصدر.
[فصل [شرط إعمال اسم الفاعل]]
قال صاحب الكتاب: ويشترط في إعمال اسم الفاعل أن يكون في معنى الحال أو الاستقبال، فلا يقال: زيد ضارب عمراً أمس، ولا وحشيٌّ قاتل حمزة يوم أحد، بل يستعمل ذلك على الإضافة إلا إذا أريدت حكاية الحال الماضية كقوله تعالي:{وكلبهم باسط ذراعيه}(١)، أو أدخلت عليه الألف واللام كقولك الضارب زيداً أمس.
* * *
قال الشارح: اعلم أن اسم الفاعل يجيء على ثلاثة أضرب: للماضي وللحال وللاستقبال، كما أن الفعل كذلك، إلَّا أن الفعل تختلف صيغتُه للزمان، وتتّفق في اسم الفاعل؛ لأن الفعل بابه التصرّف، والأسماء بابها الجُمود وعدمُ الاختلاف.
وإنّما يعمل من اسم الفاعل ما كان بمعنى الحال أو الاستقبال، نحوُ:"هذا ضاربٌ زيدًا غدًا، ومكرمٌ خالدًا الساعةَ"؛ لأنّه على لفظ المضارع إذ كان جاريًا عليه في حركاته وسكناته وعددِ حروفه، وهو في معناه، فلمّا اجتمع فيه ما ذُكر؛ عمل عملَه.
فأمّا إذا كان بمعنى الماضي، فإنك لا تُعْمِله، إذ لا مضارعةَ بينه وبيّن الماضي، ألا ترى أن "ضاربًا" ليس على عددِ "ضَرَبَ"، ولا مثلَه في حركاته وسكناته، فلذلك لا تقول:"زيدٌ ضاربٌ عمرًا أمس"، ولا "وحْشِىٌّ قاتل حَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ". وهذا وحشى نُوبيٌّ من سُودانِ مكة، يُكْنَى أبا دَسِمَةَ، وهو مَوْلَى طُعَيْمَةَ بن عَديّ، وقيل مولى جُبَيْر بن مُطْعِم. فلا تنصب بـ "قاتل" هنا؛ لأنّه في معنَى "قَتَلَ"، ولا بـ "ضارب"؛ لأنّه في معنى "ضرب". وقد بيّنتُ أنّه لا مضارعَةَ بين الماضي واسم الفاعل إذا كان في معناه، فلمّا لم يكن بينهما مضارعةُ ما بينه وبيّن الفعل إذا أُريد به الحال أو الاستقبال، لم يُعْمِلوه عملَه،