قال صاحب الكتاب:"لا يكون الاسم مجروراً إلا بالإضافة, وهي المقتضية للجر، كما أن الفاعلية والمفعولية هما المقتضيان للرفع والنصب, والعامل هنا غير المقتضي كما ثم، وهو حرف الجر, أو معناه في نحو قولك: "مررت بزيد"، و"زيد في الدار"، و"غلام زيد"، و"خاتم فضة"".
* * *
قال الشارح: لمّا فرغ من الكلام على المرفوعات والمنصوبات، أخذ في الكلام على المجرورات: والجرُّ من عبارات البصريين، والخَفْضُ من عبارات الكوفيين. فالجرُّ إنما يكون بالإضافة، وليست الإضافةُ هي العاملة للجرّ، وإنّما هي المقتضيةُ له. والمعني بالمقتضِي ها هنا أنّ القياس يقتضي هذا النوعَ من الإعراب، لتقع المخالَفةُ بينه وبين إعرابِ الفاعل والمفعول، فيتميّزَ عنهما، إذ الإعرابُ إنّما وُضع للفرق بين المعاني. والعامل هو حرفُ الجرّ، أو تقديره، فحرفُ الجرّ نحو "مِنْ" و"إِلَى"، و"عَنْ"، و"عَلَى"، ونحوِها من حروف الإضافة، وستُذكَر في موضعها مفصَّلةً. وإنّما قيل لها: حروفُ الإضافة, لأنّها تُضيف معنى الفعل الذي هي صلتُه إلى الاسم المجرور بها. ومعنى إضافتها معنى الفعل إيصالُه إلى الاسم. فالإضافةُ معنى، وحروفُ الجرّ لفظٌ، وهي الأداةُ المُحصَّلةُ له، كما كانت الفاعليّةُ والمفعوليةُ معنيَين يستدعيان الرفعَ والنصبَ في الفاعل والمفعولِ، والفعل أداةٌ مُحصَّلةٌ لهما، فالمقتضِي غيرُ العامل.
والمراد من قوله:"فالعامل حرفُ الجرّ، أو معناه" أنّ الجرّ يكون بحرف الجرّ، أو تقديره. فحرفُ الجرّ، نحو:"مررتُ بزيدٍ"، و"زيدٌ في الدار". فالعامل في "زيد" هو الباءُ، والعامل في الدار "في"؛ وأمّا المقدَّرُ فنحوُ:"غلامُ زيدٍ"، و"خاتمُ فِضَّةٍ"، فالعامل هنا حرفُ الجرّ المقدَّرُ، والتأثيرُ له. وتقديرُه: غلامٌ لزيدٍ، وخاتمٌ من فضّةٍ، لا ينفكّ كلُّ إضافةٍ حقيقيّةٍ من تقديرِ أحد هذَيْن الحرفَيْن. ولولا تقديرُ وجودِ الحرف المذكور؛ لَمَا ساغ الجرُّ. ألا ترى أنّ كلّ واحد من المضاف والمضاف إليه اسمٌ ليس له أن يعمل في الآخر, لأنّه ليس عملُه في أحدهما بأَوْلى من العَكْس، وإنما الخفضُ في المضاف إليه بالحرف المقدَّر الذي هو اللامُ، أو "مِنْ". وحسُن حذفُه لنِيابةِ المضاف إليه عنه،