قال صاحب الكتاب: تعمل فيه حروف وأسماء، نحو قولك لم يخرج، ولما يحضر، وليضرب، ولا تفعل، وإن تكرمني أكرمك، وما تصنع أصنع, وأياً تضرب أضرب، وبمن تمرر أمر به.
* * *
قال الشارح: اعلم أن عوامل الجزم على ضربين: حروف وأسماء كما ذكر، فالحروف خمسة، وهي "إنْ"، و"لَمْ"، و"لَمَّا"، و"لام الأمر"، و"لا" في النهي، فهذه الأُصول في عمل الجزم. وإنّما عملت لاختصاصها بالأفعال دون الأسماءَ. والحرفُ إذا اختصّ، عمل فيما يختص به. وهذه الحروف قد أثّرتْ في الأفعال تأثيرَيْن، وذلك أن "إنْ" نقلت الفعلَ إلى الاستقبال والشرطِ، و"لَمْ" نقلته إلى الماضي والنفي، و"لَمَّا" كذلك، إلَّا أن "لَمَّا" لنفي فعل معه "قَدْ"، و"لَمْ" لنفي فعل ليس معه "قَدْ"، فإذا قال القائل:"قام زيد"؛ قلت في نفيه:"لم يقم"، وإذا قال:"قد قام"، قلت في نفيه:"لما يقم". ولامُ الأمر نقلته إلى الاستقبال، والأمرُ والنهي كذلك.
فإن قيل: ولِمَ كان عمل بعض الحروف المختصة بالأفعال الجزم، وبعضها النصب، فالجواب عن ذلك أن ما نقله إلى معنى لا يكون في الاسم، عمل فيه إعرابًا لا يكون في الاسم، ولمّا كان الشرط والأمر والنهي لا يكون إلَّا في الأفعال، عملت أدواتُه فيها الجزمَ الذي لا يكون إلَّا في الأفعال.
وأمّا "لَمْ"، وَ"لَمَّا"، فإنهما ينقلان الفعل الحاضر إلى الماضي على حدّ لا يكون في الاسم, لأنّ الحدّ الذي يكون في الاسم إنما يكون بقرينة الوقت، كقولك:"زيدٌ ضاربٌ أمسِ"، ولا يجوز "زيدٌ يضرب أمس"، فتنقل الفعل المضارع إلى المُضيّ بقرينة، كما فعلتَ في الاسم، ويجوز "لم يضرب أمس"، فلمّا نقلتْه على حدّ لا يجوز في الاسم، عملتْ فيه إعرابًا لا يكون في الاسم، فلذلك كانت جازمة.
فإن قيل: فالحروف الناصبة، نحو:"أنْ"، و"لَنْ"، و"إذَنْ"، و"كَيْ" قد أحدثت في الفعل ما لا يكون في الأسماء، فهلّا كانت جازمة؟ قيل: لَعَمْري لقد كان القياس فيها ما