للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرتَ، غيرَ أنه عرض فيها شَبَهٌ من "أنَّ" الثقيلة، فعملت عملها على ما سبق، فلذلك تقول: "لم يخرجْ زيد"، فتُدْخِلها على لفظ المضارع والمعنى معنى الماضي. ألا ترى أنك تقول: "لم يقم زيد أمس"، ولو كان المعنى كاللفظ؛ لم يجز هذا كما لم يجز "يقوم زيد أمس".

وكذلك "لَمَّا" بمنزلة "لَمْ" في الجزم. قال الله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} (١)، فجزمتْ كما تجزم "لَمْ"، إلَّا أن الفرق بينهما أن "لَمْ" لا تكتفي بها في الجواب، لو قال قائل: "قام زيد"، لم يجز أن تقول في جوابه: "لَمْ" حتى تقول: "لم يقم". وإذا قال: "قد قام"، جاز أن تقول: "لَمَّا"؛ لأنها بزيادةِ ما عليها والتركيب قد خرجت إلى شَبَه الأسماء، فجاز أن تكتفي بها في الجواب، كما تكتفي بالأسماء، ولَذلك وقع بعدها مثال الماضي في قولك: "لما جئتَ جئتُ".

وأمّا لام الأمر، فنحو قولك: "لِيضربْ زيدٌ عمرًا"، إذا كان للغائب. قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (٢)؛ وأمّا إذا كان المأمور حاضرًا، لم يُحْتَجْ إلى اللام من قبل أن المواجهة تُغني عنها، وربّما جاءت اللام مع فعل المخاطب، نحوَ قوله تعالى في قراءة أُبَىٍّ: {فَبذَلِكَ فَلْتَفرَحُوا} (٣). وقد جاء في بعض كلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في غَزاةٍ: "لِتَأخُذُوا مَصافَّكم" (٤).

وتقول في النهي: "لا تضربْ"، فهذه الحروف هي الجازمة لِما بعدها بلا خلاف.

وأمّا "إن" الشرطية، فتجزم ما بعدها، وهي أُمّ حروف الشرط، ولها من التصرّف ما ليس لغيرها، ألا تراها تُستعمل ظاهرة، ومضمرةَ مقدَّرةً، ويحذف بعدها الشرط، ويقوم غيره مقامه، وتليها الأسماء على الإضمار؟

فأمّا عملها ظاهرةً، فنحو قولك: "إن تكرمْنِي أكرمْك". قال الله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} (٥).

وأمّا عملها مقدّرة، فبعد خمسة أشياء: الأمر، والنهي، والاستفهام، والعَرْض، والتمني، وهو كالجواب بالفاء إلَّا الجَحْدَ، فإنّه لا يجاب بالجزم، وسيوضح ذلك إن شاء الله تعالى.

واعلم أنك إذا قلت في الشرط: "إن تكرمْنِي أكرمْك" مَثَلاً، فالفعل الأوّل مجزوم


(١) آل عمران: ١٤٢.
(٢) الحج: ٢٩.
(٣) يونس: ٥٨. وهي قراءة ابن عامر وعثمان بن عفان والحسن وغيرهم. انظر: البحر المحيط ٥/ ١٧٢؛ وتفسير الطبري ١١/ ٨٨؛ والكشاف ٢/ ٢٤١؛ ومعجم القراءات القرآنية ٣/ ٨٠.
(٤) ورد الحديث في تفسير القرطبي ٨/ ٣٥٤.
(٥) محمَّد:٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>