للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بـ"إِنْ" بلا خلاف فيما أعلم، وهو الشرط. ومعنى الشرط العَلامة والأمارة، فكان وجود الشرط علامة لوجود جوابه، ومنه أشراطُ الساعة، أي: علاماتها. قال الله تعالى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} (١).

وأمّا الجَزاء، فيُختلف فيه، فذهب أبو العبّاس المبرد إلى إن الجازم للشرط "إن"، و"إنْ" وفعلُ الشرط جميعًا عملا في الجزاء، فهو عنده كالمبتدأ والخبر، فالعامل في المبتدأ الرافع له الابتداء، والابتداء والمبتدأ جميعًا عملا في الخبر، وكذلك "إنْ" هي العاملة فيما بعدها من فعل الشرط، وفعلُ الشرط وحرف الشرط جميعًا عملا في الجزاء؛ لأنّ الجزاء يفتقر إلى تقدُّمهما افتقارًا واحدًا، وهما المقتضيان لوجود الجواب، فليس نسبةُ العمل إلى أحدهما بأولى من نسبته إلى الآخر.

وهذا القول، وإن كان عليه جماعة من حُذاق أصحابنا، فإنه لا ينفك من ضَعْف، وذلك لأنّ "إنْ" عاملة في الشرط لا محالة، وقد ظهر أثرُ عملها فيها. وأمّا الشرط فليس بعامل هنا, لأنه فعلٌ، والجزاء فعلٌ، وليس عملُ أحدهما في الآخر بأولى من العكس. وإذا ثبت أنه لا أثر له في العمل، فإضافةُ ما لا أثر له إلى ما له أثر لا أثر له. ويمكن أن يُقال: إِن الشيء قد يؤثّر بانفراده أثرًا، فإذا انضاف إلى غيره، ورُكّب معه، حصل له بالتركيب حكمٌ لم يكن له قبلُ.

والذي عليه الأكثرُ أنّ "إنْ، هي العاملة في الشرط وجوابِه؛ لأنه قد ثبت عملها في الشرط، فكانت هي العاملة في الجزاء، إلَّا أن عملها في الشرط بلا واسطة، وفي الجزاء بواسطة الشرط، فكان فعل الشرط شرطًا في العمل لا جزْءًا من العامل. وكذلك تقول في المبتدأ والخبر: إن الابتداء عامل في المبتدأ بلا واسطة، وفي الخبر بواسطة المبتدأ. وقد شبّه بعض النحويين ذلك بالماء والنار، فقال: إذا وضعت الماء في قِدْر، وسخّنتَه بالنار، فالنار هي المؤثّرة في القدر والماء الإسخانَ، إلَّا أن تأثيرها في القدر بلا واسطة، وفي الماء بواسطة القدر.

ويحكى عن أبي عثمان أنه كان يقول: إِن فعل الشرط وجوابه ليسا مجزومَيْن معربَيْن، وإنّما هما مبنيان؛ لأنهما لّما وقعا بعد حرف الشرط، فقد وقعا موقعًا لا يصلح فيه الأسماءُ، فبعُدا من شَبَهها، فعادا إلى البناء الذي كان يجب للأفعال، وهذا القول ظاهرُ الفَساد، وبأدْنَى تأمُّل يضِحُ؛ وذلك لأنه لو وجب له البناء بدخول "إنْ" عليه، لوجب له البناء بدخول النواصب وبقيةِ الجوازم, لأنّ الأسماء لا تقع فيها فاعرفه.

أمّا الأسماء، فأحد عشر اسمًا فيها معنى "إن"، لذلك بُنيت، وقد تقدّم الكلام على بنائها في المبنيات من فصل الاسم، وهي على ضربين: أسماء، وظروف، فالأسماء:


(١) محمَّد:١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>