للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"مَن"، و"مَا"، و"مَهْمَا"، و"أي"، والظروف "أنَّى"، و"أيْنَ"، و"مَتَى"، و"حَيْثُمَا"، و"إذْمَا"، و"إذَامَا"، فجميعُها تجزم ما بعدها من الأفعال المستقبلة، كما تجزم "إن". وإنّما عملت من أجل تضمُّنها معنى "إنْ"، ألا ترى أنها إذا خرجت عن معنى "إنْ" إلى الاستفهام، أو معنَى الذي؛ لم تجزم، نحو قولك في الاستفهام: "مَن يقومُ؟ "، و"أعجبني من تكرمُه" إذا أردت معنَى الذي تكرمه.

فأمَّا "مَنْ" فهو لمن يعقل من الثَّقَلَيْن والملائكة، نحوِ قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} (١).

وأمّا "مَا"، فلِما لا يعقل. قال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} (٢)، وإذا كان الجواب بالفاء، فما بعده جملةٌ مستقلّةٌ، والفاء ربطتْها بالأوّل.

وأمّا "مَهْمَا"، فمن أدوات الشرط تُستعمل فيها استعمالَ "مَا". تقول: "مَهْمَا تفعلْ أفعلْ مثلَه". قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} (٣). وقد اختلفوا فيها، فذهب قوم إلى أنها اسم بكمالها يُجازَى به، قالوا: لأنّ التركيب على خلاف الأصل، فلا يُقْدَم عليه إلَّا بدليل، فلو وُزنت، لكانت "فَعْلَى"، وقد أفادت معنى الشرط فيما بعدها. والغَالبُ في إفادة المعاني إنما هي الحروف، فكانت متضمّنة لمعنى الحرف، وعَوْدُ الضمير إليها يدل على اسميّتها.

وقال الخليل (٤): هي مركّبة، كان الأصل "ما" الشرطية التي في قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} (٥)، زيدت عليها "ما" أُخرى توكيدًا، و"ما" تزاد كثيرًا مع أدوات الشرط. ألا ترى أنها قد زيدت مع "إنْ"، وادُّغمت النون في الميم لسكونها، لأنّ النون الساكنة تُدّغم في الميم، فقالوا: "إمّا تأتِني آتِك". قال الله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} (٦). وزادوها أيضًا مع "متى"، و"أيْنَ"، فقالوا: "متى ما تأتِني آتِك"، و"أينَمَا تكنْ أكن"، فصار اللفظ بها "ماما"، وكرهوا توالي لفظَيْن، حروفُهما واحدةٌ، فأبدلوا من ألفِ "ما" الأوُلى هاءً لقرب الهاء من الألف في المَخْرج، وكانت ألفُ "مَا"، الأوُلى أجدر بالتغيير من الثانية، لأنها اسم. والأسماء أقبلُ للتغيير والتصرّف من الحروف لقُرْبها من الأفعال.

وقال قوم: هي مركبة من "مَهْ" بمعنى "اكْفُفْ"، و"مَا"، فاللفظ على هذا لم يدخله تغييرٌ، لكنّه مركب من كلمتَيْن بقيتا على لفظهما. وحكى الكوفيون في أدوات الشرط


(١) الشورى: ٢٣.
(٢) فاطر:٢.
(٣) الأعراف: ١٣٢.
(٤) الكتاب ٣/ ٥٩.
(٥) البقرة: ١٩٧.
(٦) مريم: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>