للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمُبدَل، ورَفْعَ لبسٍ كما كان ذلك في الصفة. وفيه رفعُ المَجاز، وإبطالُ التوسّع الذي كان يجوز في المبدل منه، ألا ترى أنّك إذا قلت جاءني أخوك، جاز أن تريد كِتابَه، أو رَسُولَه، فإذا قلت: "زَيْدٌ"، زال ذلك الاحتمالُ، كما لو قلت: "نفسُه"، أو"عينُه"؟

فلذلك قال صاحبُ الكتاب: "ولِيُفاد بمجموعهما فضلُ تأكيدٍ وتبيينٍ، لا يكون في الإفراد"، يعني أنّه حصل باجتماعِ البدل والمبدل منه من التأكيد ما يحصلُ بالنفس، والعين، ومن البيان ما يحصل بالنعَت. ولو انفرد كل واحد من البدل، والمبدل منه، لم يحصل ما حصل باجتماعهما، كما لو انفرد التأكيدُ والمؤكَّدُ، أو النعتُ والمنعوتُ، لم يحصل ما حصل باجتماعهما.

وقول النحويّين: إِنّه في حكمِ تَنْحِيَةِ الأوّل الذي هو المبدلُ منه ووَضْعِ البدل مكانَه، ليس ذلك على معنَى إلغائه، وإزالةِ فائدته، بل على معنى أنّ البدل قائمٌ بنفسه، وأنّه معتمَدُ الحديث، وليس مُبيّنًا للمبدَل منه كتَبْيينِ النعت الذي هو من تمام المنعوت. والدليلُ على أنّ المبدل منه ليس بمُلْغىً، ولا مطّرَحًا، أنّك تقول: "زيدٌ رأيتُ أباه عمرًا"، فتجعل "عمرًا" بدلًا من "أباه". فلو كان المبدلُ مطّرحًا، لكان تقديرُ الكلام: "زيد رأيتُ عمرًا"، فتبقى الجملةُ التي هي خبرٌ بلا عائدٍ، وذلك ممتنِعٌ. وممّا يدلّ أيضًا على أنه ليس مُلْغى قولُ الشاعر [من الكامل]:

٤٢٨ - فكأنّه لَهِقُ السَّراةِ كأنّه ... ما حاجِبَيْهِ مُعَيَّنٌ بسَوادِ

[فصل [الدلالة علي استقلاليته]]

قال صاحب الكتاب: والذي يدل على كون مستقلاً بنفسه أنه في حكم تكرير العامل, بدليل مجيء ذلك صريحاً في قوله عز وجل: {الذين استضعفوا لمن آمن


٤٢٨ - التخريج: البيت للأعشى في الدرر ٦/ ٢٥٤؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٥/ ١٩٧، ١٩٨؛ ولسان العرب ٣/ ٣٠٢ (عين)؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٥٨.
اللغة: لهق السراة: ثور أبيض أعلى الظهر أسود الخدين.
المعنى: يصف ثورًا وحشيًّا بأنه أبيض أعلى الظهر، أسود الخدين، كأن حاجبيه معينان بهذا السواد.
الإعراب: "فكأنه": الفاء: حسب ما قبلها، "كأن": حرف مشبّه بالفعل، والهاء: ضمير متصل في محلّ نصب اسم "كأنّ". "لهق": خبر "كأنّ" مرفوع بالضمّة وهو مضاف. "السراة": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "كأنه": حرف مشبّه بالفعل، والهاء: اسمها. "ما حاجبيه": "ما": زائدة، "حاجبيه": بدل من الهاء في "كأنّه" منصوب بالياء لأنه مثنى وخذفت النون للإضافة، والهاء: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. "معين": خبر "كأن" مرفوع بالضمّة. "بسواد": جار ومجرور متعلقان بـ "معين".
وجملة "كأنّه لهق": بحسب ما قبلها. وجملة "كأنه معين": في محل رفع صفة لـ"لهق السراة".
والشاهد فيه: أن اعتبار المبدل منه في اللفظ دون البدل، فإن قوله "حاجبيه" بدل من ضمير "كأنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>