و"من هِلال"، و"مِن عندك"، و"مَن حملك"، و"مِن غيرك"، و"من خالَفَك". وإنّما وجب البيان عند هذه الحروف؛ لتباعُدها منها في المرتبة القُصْوَى، فليست من قبيلها، فلم تدغِم لذلك في هذا الموضع، كما أنّ حروف اللسان لا تدغم في حروف الحلق، ولم تُخف عندها كما لم تدغم, لأنّ الإخفاء نوعٌ من الادغام. وبعضُ العرب يُجْرِي الغين والخاء مجرى حروف الفم لقربهما منها، فيُخْفيها عندهما، كما يفعل ذلك عند الكاف والقاف، فيقول:"مُنخُلٌ"، و"منْغَلٌ". والأوّل أجودُ وأكثرُ, لأنّهما من حروف الحلق، فكانتا كأخواتها، فاعرفه.
* * *
قال صاحب الكتاب: والثالثةُ القلبُ إلى الميم قبل الباء، كقولك:"شَمْباءُ"، و"عَمْبَرٌ". والرابعةُ الإخفاء مع سائر الحروف، وهي خمسةَ عشرَ حرفًا، كقولك:"مَنْ جابِرٌ"، و"مَن كَفَرَ"، و"مَن قَتَلَ"، وما أشبه ذلك. قال أبو عثمان: وبيانُها مع حروف الفم لحنٌ.
* * *
قال الشارح: الحال الثالثة أن تنقلب ميمًا، وذلك إذا كانت ساكنة قبل الباء، نحو:"عمبر"، و"شمباء". وإنّما قلبوها ميمًا هنا؛ لأنّه موضعٌ تُقْلَب فيه النون. ومعنى قولنا:"تقلب فيه" أي تُدّغم؛ لأنّها تدغم مع الواو والميم اللذين هما من مخرجها، فلمّا اجتمعت مع الباء، وكانت النون الساكنة بعيدةً من الباء في المخرج ومُبايِنةً لها في الخواصّ التي تُوجِب الشرْكةَ بينهما، لم يكن سبيلٌ إلى الادغام، ففرّوا إلى حرف من مخرج الباء، وهو الميم، فجرى ذلك مجرى الادغام. وليس في الكلام كلمةٌ فيها ميمٌ قبل الباء، فيقعَ فيه لبسٌ، فأمنوا اللبسَ.
وأمّا الرابع، وهو الإخفاء مع سائر الحروف، وهي الخمسةَ عشرَ حرفًا التي ذكرها، وإنّما أُخفيت عندها؛ لأنّها تخرج من حرف الألف الذي يحدث إلى داخل الفم، لا من المَنْخَر، فكان بين النون وحروف الفم اختلاطٌ، فلم تَقْوَ قوَّةَ حروف الفم، فتُدّغمَ فيها، ولم تبعد بُعْدَ حروف الحلق، فتظهرَ معها. وإنّما كانت متوسّطة بين القرب والبعد، فتَوّسط أمرُها بين الإظهار والإدغام، فأُخفيت عندها لذلك. فلها ثلاثةُ أحوال: الادغامُ، والإخفاء، والإظهارُ. فالادغام للتقارب بالحدّ الأدنى، والإظهار للتباعد بالحدّ الأقصى، والإخفاء للمناسبة بالحدّ الأوسط. قال أبو عثمان المازنيّ: وبيانها مع حروف الفم لحن لما ذكرناه، فاعرفه.
فصل [ادّغام الطاء, والدال, والتاء, والظاء, والذال, والثاء]
قال صاحب الكتاب: والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء ستّتُها يدغم بعضها في بعض، وفي الصاد والزاي والسين. وهذه لا تُدّغم في تلك, إلا أن بعضها