للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدغم في بعض, والأقيس في المطبقة إذا ادّغمت تبقية الإطباق, كقراءة أبي عمرو: {فرَّط في جنب الله} (١).

* * *

قال الشارح: هذه الحروف يجمعها كونُها من طرف اللسان وأُصولِ الثنايا، فلذلك لا يمتنع ادغامُ بعضها في بعض، إلّا حروف الصفير خاصّةً، فإنّها يدغم فيها, ولا تدغم هي في غيرها لما فيها من الصفير. وحروفُ طرف اللسان تسعةٌ كلُّ ثلاثة متواخيةٌ بالمخرج، وقد تقدّم ذكرُها. فحكمُ الدال مع الطاء أن يدغم كلُّ واحدة منهما في صاحبتها؛ لأنّهما من مَعْدِن واحد، وهما مجهورتان شديدتان. وإنّما جاز ادغامُ الطاء في الدال مع الإطباق الذي في الطاء؛ لأنّه يمكن إذهابُه وتبقيتُه. فلمّا كان المتكلّم مخيَّرًا فيه، لم يمتنع من الادغام، وذلك "اضْبِط دَّلَمًا"، بادغام الطاء في الدال مع ترك الإطباق على حاله، فلا يُذْهِبه؛ لأنّ الدال ليس فيها إطباقٌ. وهو الأقيسُ، كما أبقيت الغنّة في النون. إنّما كان أقيس؛ لأنّ المطبق أفشى في السمع، فكان تغليبُ الدال على الإطباق كالإجحاف، إذ ليست كالإطباق في السمع. وإن شئتَ أذهبتَه حتى تجعلها كالدال سواء، كما أذهبتَها، أعني الغنّة، عند من يفعل ذلك. وليس كلُّ العرب يفعله، وذلك أنّهم آثروا أن لا تُخالِفها حيث أرادوا أن يقلبوها دالًا مثلَها.

وكذلك الطاء في التاء، نحو: "اثْبُط تَّوْءَمًا" تجعلها تاء، وقرأ أبو عمرو: {فرّطّ في جنب الله} (٢)، بالادغام والإطباق. ويجوز إذهابه، إلّا أنّ إذهاب الإطباق مع الدال أمثل قليلًا؛ لأنّ الدال كالطاء في الجهر، والتاء مهموسةٌ. قال سيبويه (٣): وكلُّ عربيّ جيّد.

وتدغم الدال في الطاء، فتصير طاءً مع الطاء، نحو: "أَبْعِد طَّالِبًا"، وكذلك التاء، نحو: "انْعَت طَّالِبًا"؛ لأنّك لا تُجْحِف بهما في الإطباق، ولا غيره، إلّا أنّ ادغام التاء في الطاء أحسن؛ لأنّها مهموسة، والطاء مجهورة. وليس يمنع الجهرُ ادغامَ المهموس، ولكن يكون ادغامُ المهموس أحسن. وإنّما لم يمنع الجهرُ؛ لأنّ للمهموس حالًا يُقارِب حالَ المجهور بسُهولة المخرج، وقلّةِ الكُلْفة في الاعتماد، إذ الاعتمادُ في المجهور أقوى.

والتاء مع الدال يدغم كل واحدة منهما في صاحبتها، إلّا أنّ ادغام التاء في الدال أمثلُ؛ لأنّ الدال مجهورة، فتقول: "انْعَت دُّلامَةَ"، بالادغام على ما بيّنّا.


(١) الزمر: ٥٦، ولم أقع على هذه القراءة في معجم القراءات القرآنية.
(٢) الزمر: ٥٦.
(٣) الكتاب ٤/ ٤٦٠، وفيه: "وكلَّ عربيّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>