للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [الإشارة إلى القريب والمتوسط والبعيد]]

قال صاحب الكتاب: وقولهم: "ذلك" هو "ذاك", زيدت فيه اللام, وفرق بين "ذا", و"ذاك" و"ذلك", فقيل: الأول للقريب, والثاني للمتوسط, والثالث للبعيد, وعن المبرد أن "ذانك" مشددة تثنية "ذلك"، ومثل ذلك في المؤنث "تلك" و"تالك"، وهذه قليلة.

* * *

قال الشارح: قولهم "ذلِكَ"، الاسمُ فيه "ذَا"، والكافُ للخطاب، وزيدت اللامُ لتدل على بُعْدِ المشار إليه، وكُسرت لالتقاء الساكنين، ولم تُفتَح لئلا تُلبِس بلام المِلْك، لو قلت: "ذا لَكَ". فـ "ذَا" إشارةٌ إلى القريب بتجرُّدها من قرينة تدل على البُعد، فكانت على بابها من إفادة قرب المشار إليه؛ لأن حقيقةَ الإشارة الإيماء إلى حاضر. فإذا أرادوا الإشارة إلى متنحٍّ متباعِدٍ، زادوا كاف الخطاب، وجعلوه علامة لتباعُدِ المشار إليه، فقالوا: "ذَاكَ"، فإن زاد بُعْدُ المشار إليه، أتوا باللام مع الكاف، فقالوا: "ذَلِكَ". واستُفيد باجتماعهما زيادة في التباعد, لأن قوَّةَ اللفظ مُشْعِرة بقوة المعنى.

فأمّا تشديدُ النون في "ذانِّ"، و"هذان"، فعوضٌ من حرف محذوف، فأمّا في "ذان" فعوضٌ من ألِف "ذا"، وهي في "ذانك" عوضٌ من لامِ "ذلِكَ". قاله المبردُ. فإذا قلت: "ذَاكَ " في الواحد، قلت في التثنية: "ذانِكَ". وإذا قلت: "ذلِكَ"، قلت في التثنية "ذَانكَ" بالتشديد. ويحتمل أن يكون التشديدُ عوضًا من ألِف"ذَلِكَ"، وإذا كان عوضًا من حرف، صار بمنزلةِ الميم المشددة في آخِرِ "اللهُمُّ" عوضًا من "يَا" فشُدّدت كتشديد الميم. ويجوز أن يكون تشديدُ النون للفرق بين النون التي هي عوض من حرفٍ، وبين النون التي هي عوض من الحركة والتنوين، جعلوا لِما هو عوض من الحرف مَزِية، فشُددت.

فإن قيل: فلِمَ عوّضوا من الحرف الذاهب، وحذفُه عارضٌ لالتقاء الساكنين؟ قيل: من قِبَل أن التثنية لا يسقُط منها شيءٌ لالتقاء السَاكنين إلَّا المبهمَ، فلمّا خالف المتمكنَ، ونقص منه حرف، عُوّض من ذلك. وبعضهم لا يجعل التشديدَ في "ذان" عوضًا، بل من قبيل الادغام، وذلك أتنا ثنينا "ذا"، فصار "ذَانِ"، ثمّ دخلت اللامُ بعد النون للمعنى الذي أُريد منها، وهو بُعْدُ المشار إليه، فصار "ذَانِلِ"، فاجتمعت النونُ واللامُ، وكل واحد منهما يجوز ادّغامُه في صاحبه، فقُلب الثاني إلى لفظِ الأول، فصارت اللامُ نونًا، وادغمت فيها النونُ الأُولى كما قالوا: "مُذكِر". بالذال المعجمة، وأصلُه "مُذْتَكِرٌ". ولا يكون ذلك في "هذَانِ"؛ لأن هاء التنبيه واللام لا يجتمعان, لأن "هَا" للقريب، واللامَ للبعيد، والبُعدُ والقُرْبُ معنيان متدافِعان.

وقوله: ومثلُ ذلك في المؤنّث، "تِلكَ"، و"تَالِكَ"، يريد أنه كما زادوا اللامَ مع

<<  <  ج: ص:  >  >>