للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "يتصرف مع المخاطب في أحواله من التذكير والتأنيث"، فالمراد أنّه تختلف حركاتُ هذه الكاف، ليكون ذلك أمارة على اختلافِ أحوالِ المخاطب من التذكير والتأنيث، وتلحَقُه علامات تدل على عَدَدِ المخاطبين. وُيوضِح لك ذلك نعتُ اسم الإشارة، ونداءٌ المخاطب، فإذا سألتَ رجلًا عن رجل، قلت: "كيف ذلك الرجل يا رجلُ"، بفتح الكاف؛ لأنك تُخاطِب مذكرًا قال الله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} (١).

وإذا سألتَ امرأة عن رجل، قلت: "كيف ذلكِ الرجلُ يا امرأةُ"، كسرتَ الكاف حيث خاطبتَ مؤنثًا. قال الله تعالى {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} (٢).

وإذا سألت رجلَين عن رجل، قلت: "كيف ذلكُمَا الرجلُ يا رجلان"، ألحقتَ الكاف علامةَ التثنية حيث خاطبتَ رجلَيْن. قال الله تعالى: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} (٣).

فإن سألت رجلًا عن رجلَين، قلت: "كيف ذانك الرجلان يا رجلُ"، ثنّيتَ "ذَا" حيث كنت تسأل عن رجلَين، وفتحتَ الكاف حيث كنت تخاطب واحدًا.

وإذا سألت رجالًا عن رجال، قلت: "كيف أولئكم الرجال يا رجالُ"، جمعتَ اسم الإشارة؛ لأن المسؤول عنه جمعٌ، وألحقتَ الكاف علامة الجمع، إذ كنت تخاطب جماعة. قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (٤).

فإن سألت رجلًا عن جماعةِ مذكرِين؛ قلت: "كيف أولئك الرجال يا رجلُ" فإن سألت نساء عن نساء، قلت: "كيف أولئكن النساء يا نساء". قال الله تعالى: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} (٥)، ألحقَ علامة جمع المؤنّث حيث كان الخطابُ للنسوة، وهنّ صواحباتُ يوسف. و"كيف ذلكن الرجلُ يا نساءُ"، إذا سألت نساء عن رجل. وعلى هذا فقِس ما يأتيك من هذا. هذه هي اللغة الفاشيةُ التي يقتضيها القياسُ، وعليها مُعْظَمُ الاستعمال.

وفيها لغةٌ أخرى نقلها الثقاتُ، وهي إفرادُ علامة الخطاب وفتحها على كل حالٍ تغليبًا لجانب الواحد المذكر، فتقول للرجل: "كيف ذلكَ المرأةُ يا رجلُ" (٦)، بفتح الكاف كخطاب المَذكر، وكذا إذا خاطبتَ اثنين، أو جماعة. وفي التنزيل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (٧) وقياسُ اللغة الأولى: "وكذلكُمْ" لأن الخطاب لجماعة كما في الآية الأخرى {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} (٨) ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} (٩) إلى قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهمُ} (١٠) ولم يقل: "ذلِكُم"، والمخاطبُ جماعة.


(١) يوسف: ٥٢.
(٢) مريم: ٢١.
(٣) يوسف: ٣٧.
(٤) الأنعام: ١٠٢.
(٥) يوسف: ٣٢.
(٦) في الطبعتين: "كيف ذلك الرجلُ يا امرأة"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٧) البقرة: ١٤٣.
(٨) الفتح: ١٥.
(٩) محمَّد:٧.
(١٠) محمَّد:٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>