للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى "الثلاثة". والجمعُ جمعان أيضًا: جمع قليل، وجمع كثير، فلمّا أريد "إضافةُ أدنى العدد إلى نوع المعدود تبيينًا له؛ أضيف إلى الجمع القليل ليُشاكِله، ويطابق معناه في العدد؛ لأنّ التفسير يكون على حسب المفسر.

فإن لم يكن له بناء قلّة، أضيف إلى بناء الكثير ضرورةً، فتقول: "عندي ثلاثةُ كُتُب، وخمسة شُسُوعٍ"، و"رأيت عشرةَ مَساجِدَ"؛ لأنّه لم يُسمَع "أَكْتِبَةٌ"، ولا "أَشْساعٌ". فأمّا ما حكاه عن أبي الحسن من "أَشْسُع"، فهو شاذّ قياسًا واستعمالًا؛ فأمّا الاستعمال فما أَقَلَّهُ! وأمّا القياس، فإنّ الباب في "فِعْلٍ" بكسر الفاء، أن يجمع على "أَفْعالٍ نحو: "عِدْلٍ"، و"أَعْدالٍ"، فمجيئُه على "أَفْعُلَ" على خلاف القياس، فلمّا لم يكن له بناء قلّة، أضافوه إلى الكثير، وكان هذا من المواضع التي قد اتُّسع فيها، فاستُغني ببناء الكثير. وإذا جاز أن يُستغنى بلفظ الجمع القليل عن الكثير، نحو قولهم: "رَسَنٌ"، و"أَرْسانٌ ولم يقولوا: "رُسُونٌ"، و"قَلَمٌ"، و"أَقْلامٌ ولم يقولوا: "قُلُومٌ"؛ فأَحْرَى وأَوْلَى أن يستغنى بجمع الكثير عن القليل, لأنه داخل في معناه.

فعلى هذا لا تقول: "عندي ثلاثةُ كِلابٍ"؛ لأنّ له بناء قلّة، وهو "أَكْلُبٌ"، إلَّا في ضرورة الشعر. قال الخليل: شبّهوه بـ"ثلاثة قُرُوءٍ"، يريد بذلك أنّهم شبّهوا ما يُستعمل فيه القليل بما لايستعمل فيه القليل.

واعلم أنّك إذا قلت: "ثلاثة كِلابٍ"، كان على غير وجه "ثلاثة أَكْلُبٍ"، وذلك أنّك إذا أضفته إلى بناء من أبنية القلّة، كان عَلى إضافته من المميِّز على حد "مائة دينارٍ"، وإذا أضفته إلى الكثير، كان على حدّ إضافة البعض إلى الجنس على ما تقدّم من نحو: "ثوبُ خَزِّ"، و"بابُ ساج"، فالمراد بـ "ثلاثة كلاب" ثلاثةٌ من الكلاب، كما أنّ المراد: ثوبٌ من خزّ، وبابٌ من ساج، فأمّا قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (١) فمّما استُعير فيه جمعُ الكثرة لجمع القلّة، وذلك لاشتراكهما في الجمعيّة، ولعل "القُرُوء" كانت أكثرَ استعمالًا في جمع "القُرْء" من "الأَقراء"، فأُوثر عليه، كأنّهم نزّلوا ما قلّ استعمالُه منزلةَ المُهْمَل، فيكون مثل "شُسوع".

فصل [حكم الأعداد المركَّبة في البناء والإعراب]

قال صاحب الكتاب: وأحد عشر إلى تسعة عشر مبني، إلا "اثني عشر". وحكم آخر شطريه حكم نون التثنية، ولذلك لا يضاف إضافة أخواته, فلا يقال: "هذه اثنا عشرك", كما قيل: "هذه أحد عشرك".

* * *


(١) البقرة: ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>