يُدّغم ولا يدغم فيه وهي الهمزة والألف. وسائرها تدّغم وتدّغم فيها. فما كان منها أدخلَ في الحلق لم يدّغم فيه الأدخلُ في الفم. فالهاء تدّغم في الحاء، نحو:"اجْبَه حَّمَلًا"؛ لأنّ الهاء أدخلُ في الحلق، والحاء أقربُ إلى الفم، فلذلك أدغمت الهاء في الحاء، ولم يدّغم الحاء في الهاء، نحوَ:"اِمْدَحْ هِلالًا".
ولا تدّغم العين في الحاء؛ لأنّ العين أقربُ إلى الفم، وذلك من قبل أن الحرف إذا كان أدخلَ في الحلق، وادُّغم فيما بعده كان في ذلك تصعّدٌ في الحلق إلى الفم. وإذا عُكس ذلك، كان ذلك بمنزلة الهُوِيّ بعد الصعود والرجوع عكسًا.
وأمّا ما يدّغم أحدهما في الآخر مع التباعد، فإِذ تَقاربا في الصفة، وإن تَباعدا مخرجًا، نحو الواو والياء، فهما متّفقان في صفة المدَ والاستطالة، ومخرجاهما متباعدان، فأحدُهما من الشفة، والآخر من وسط الفم. فإذا التقيا، وكان الأوّل منهما ساكنًا، قلِبَتْ الواو ياءً، وادّغمت في الياء. وكذلك النون تدّغم في الميم، نحو. "مَن مَّعك"؛ لأنّهما، وإن اختلفا من جهة اللسان والشفة، فقد اجتمعا في صفة الغنّة الحاصلة فيهما من جهة الخيشوم، وكذلك حروف طرف اللسان، وهي النون، والراء، والتاء، والدال، والصاد، والطاء، والزاي، والسين، والظاء، والذال، والثاء، تدّغم في الضاد والشين، وذلك لأنّها، وإن لم تكن من مخرجها، إلّا أنّها تُخالِطها, لأنّ الضاد استطالت لرخاوتها، والشين لِما فيها من التفشّي، فالتحقت بحروف طرف اللسان. فلمّا خالطتها، ساغ ادغامُهنّ فيها إلّا حروفَ الصفير. وسيأتي الكلام على الحروف مفصّلًا حرفًا حرفًا إن شاء الله تعالى.
فصل [اِدِّغام الهمزة]
قال صاحب الكتاب: فالهمزة لا تدغم في مثلها إلا في نحو قولك: "سأَّالٌ", و"رأَّاس" و"الدأَّاث" في اسم وادٍ فيمن يرى تحقيق الهمزتين. قال سيبويه (١): فأمّا الهمزتان فليس فيهما ادّغامٌ من قولك: "قرأ أبوك", و"أقرئ أباك". قال: وزعموا أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين, وناسٌ معه, وهي رديئة, فقد يجوز الادّغام في قول هؤلاء. ولا تدغم في غيرها, ولا غيرها فيها.
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ الهمزة هي التي تُسمّى في أوّل حروف المُعْجَم ألفًا. وإنّما سمّوها ألفًا؛ لأنّها تُصوَّر بصورة الألف، وهي في الحقيقة نَبْرةٌ تخرج من أقصى الحلق،