للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله "البُرُّ الكُرُّ بِسِتِّينَ"، إلَّا أنّ المحذوف هاهنا شيئان: أحدهما ما هو من الكلام وفيه العائد وهو منه، وتقديره: البرُّ الكرُّ منه بستِّين، إلَّا أن موضع "منه" هنا نصبٌ على الحال، لأنّه لا يجوز أن يكون نَعْتًا لـ"الكرّ"، إذ كان معرفة، والعاملُ في الحال الجارُّ والمجرورُ الذي هو الخبرُ، وهو "بستين". وصاحبُ الحال المضمرُ المرفوعُ فيه، وجاز تقدُّمُه عليه وإن كان العاملُ معنَى, لأنّ لفظ الحال جارٌّ ومجرورٌ، فصار كقولك: "كلَّ يوم لك ثَوْبٌ". وفي "مِنْهُ" ضميران على ما ذُكر. أحدهما: مرفوعٌ يعود إلى المضمر في "بستين"، والآخرُ "الهاء" العائدةُ إلى المبتدأ الأولِ الذي هو "البُر" وهي الرابطةُ. والثاني من المحذوفَيْن ما هو من نفسِ الكلام وليس فيه عائدٌ، وهو التمييزُ، والتقديرُ: البرُّ الكرُّ بستّين درهمًا، فترك ذكر "الدرهم" للعلم به، وهو من تمامِ الكلام، ألا ترى أَنَّك لو لم تُرِدْهُ لالتبس، ولم يُعْلَم من أيِّ الأنواع هو الثمنُ، ولا يُستبعد حذفُ العائد من الخبر أو شيء من الخبر للدلالة عليه، فإئه قد جاء حذفُ الجملة التي هي خبرٌ بأسرها للدلالة عليها، نحو قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (١) معناه: "فعدتُهنَّ ثلاثة أشهر" إلَّا أنَّه حُذف لدلالة الأول عليه، وإذا جاز حذفُ الجملة بأسرها، كان حذف شيء منها أسهل.

وأمّا قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (٢)، فـ "من" في موضع رفع بالابتداء، و"صَبَرَ" و"غَفَرَ" الصِّلةُ، والعائدُ ضميرُ الفاعل فيهما. وقولهُ: "إنّ ذلك لمن عزم الأمور" في موضع الخبر. و"إن" المكسورةُ تُقَدَّر تقدير الجُمَل، فلذلك إذا وقعت خبرًا، افتقرتْ إلى ضمير عائد إلى المبتدأ كما تفتقر الجملةُ إذا وقعت خبرًا , ولم يوجد العائد في الآية، فكان مرادًا تقديرًا، وإنمّا حُذف لقوّةِ الدلالة عليه. والمعنى: إنّ ذلك الصَبْرَ منه، أي: من الصابر.

[فصل [تقديم الخبر علي المبتدأ]]

قال صاحب الكتاب: "ويجوز تقديم الخبر على المبتدأ كقولك تميميٌّ أنا، ومشنوءٌ من يشنؤك"، وكقوله تعالى: {سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} (٣) , و {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (٤)، المعنى سواء عليهم الإنذار وعدمه. وقد التزم تقديمه فيما وقع فيه المبتدأ نكرةً والخبر ظرفًا وذلك قولك: "في الدار رجلٌ".

* * *


(١) الطلاق: ٤.
(٢) الشورى: ٤٣.
(٣) الجاثية: ٢١.
(٤) البقرة: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>