للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لَيْسَ" لشَبَهها بها من جهة النفي. فإذا دخلت "إلّا"، بطل عملُها لانتقاضِ النفي، وصاروا إلى أقْيَسِ اللُغَتَين، وهي لغةُ بني تميم، فلذلك رفعت. ومثله: "ما كان زيدٌ بغلام إلّا غلامًا صالحًا"، بنصب "الغلام"، لأنّه بدل من محلَّ الغلام الأوّل، ومحلُّه نصبٌ بأنّه خبرُ "كَانَ". ويدل علىَ ذلك أنّك لو حذفتَ الاسم المستثنى منه، لقلت: "ما أنت إلّا شيءٌ لا يُعْبَأ به" بالرفع، و"ما كان زيدٌ إلّا غلامًا صالحًا" بالنصب، وقد أجاز الكوفيون فيما بعد "إلّا" الخفضَ، إذا كان نكرة، ولا يجوز في المعرفة، فتقول على هذا: "ما أتاني من أحدٍ إلّا رجل"، و"ما أنت بشيءٍ إلّا شيءٍ لا يُعْبَأ به". ولو قلت: "إلّا زيدٍ، وما أنت بشيءٍ إلّا الشيءِ التافِهِ"، لم يجز. والصوابُ المذهب الأوّل، وهو رأيُ سيبويه لما ذكرناه من أنّ حرف الخفض في هذا الموضع إنّما دخل لتأكيد النفي، ولا يتعلّق بموجبٍ، وما بعد "إلّا" موجبٌ، فاعرفه.

[فصل [تقديم المستثني علي صفة المستثني منه]]

قال صاحب الكتاب: "وإن قدمت المستثنى على صفة المستثنى منه ففيه طريقان: أحدهما وهو اختيار سيبويه (١) أن لا تكترث للصفة, وتحمله على البدل. والثاني أن تنزل تقديمه على الصفة منزلة تقديمه على الموصوف، وذلك قولك: "ما أتاني أحد إلا أبوك خير من زيد" و"ما مررت بأحد إلا عمرو خيرٍ من زيد", أو تقول: إلا أباك وإلا عمرًا"".

* * *

قال الشرح: إذا تقدّم المستثنى على صفة المستثنى منه، ففيه مذهبان: أحدهما مذهبُ سيبويه، وهو اختيارُ أبي العبّاس المبرّد، أنّ تُبْدِله ممّا قبلَه, لأنّ الاعتبار بتقديم المُبْدَل منه، وهو الاسم، ولا تكترِث للصفة, لأنّها فضلةٌ. والثاني أنّ تنصبه على الاستثناء، وهو اختيارُ أبي عثمانَ المازِنيّ. وذلك أنّ الصفة والموصوف كالشيء الواحد، وإذا كانا كالشيء الواحد، كان تقديمُه على الصفة بمنزلةِ تقديمه على الموصوف. فكما يلزم النصبُ بتقديمه على المستثنى منه، كذلك يلزم النصبُ بتقديمه على الصفة. وممّا يدلّ أنّ الصفة والموصوف كالشيء الواحد قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} (٢). ألا ترى أنّه أُدخل الفاء في الخبر هاهنا لوَصْفك إيّاه بـ "الَّذِي"، كما تدخل إذا كان المخبَرُ عنه الَّذِي، وكان موصولًا بالفعل، أو ما يجري مجرى الفعل من ظرفٍ، أو جارّ ومجرورٍ. مثال ذلك قولك: "ما أتاني أحدٌ إلّا أبوك خيرٌ من زيدٍ".


(١) انظر: الكتاب ٢/ ٣٣٦.
(٢) الجمعة: ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>