للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يروى برفع "النعل" ونصبها وجرّها. فمَن جرّها، جعلها غايةً، وكان "ألْقَاهَا" تأكيدًا، لأن ما بعد "حتى" يكون داخلًا فيما قبلها، فيصير "ألقاها" حينئذٍ تأكيدًا؛ لأنه مستغنّى عنه. وأمّا مَن رفع "النعل" فبالابتداء، و"ألقاها" الخبرُ، فهو معتمَدُ الفائدة. وأمّا من نصب "النعل"، فعلى وجهَيْن:

أحدهما: أن تكون "حتى" حرف عطف بمعنى الواو، عَطَفَ "النعل" على الزاد، وكان "ألقاها" أيضًا توكيدًا مستغنى عنه.

والآخر: أن تكون "حَتَّى" أيضًا حرف ابتداء تقطع الكلام عما قبله، وتنصب الفعل بإضمار فعل دلّ عليه "ألقاها"، كأنه قال: "حتى ألقى نعلَه ألقاها"، على حدِّ "زيدًا ضربتُه".

ومثله مسألة "السمكة" إذا قلت: "أكلتُ السمكة حتى رأسها"، جاز في "الرأس" ثلاثة أوجه: الجرّ على الغاية، والنصب على العطف، والرفع على الابتداء. وفي الأوجه الثلاثة: الرأسُ مأكولٌ. أمّا في الجرّ فلأنّ ما بعد "حتّى" في الغاية يكون داخلًا في حكم الأوّل. وأمّا النصب، فلأنّه معطوف على "السمكة"، وهي مأكولةٌ، فكان مأكولًا مثلَها. وأمّا الرفع فعلى الابتداء، والخبرُ محذوف، والتقدير: رأسُها مأكولٌ، وساغ حذفُه لدلالةِ "أكلتُ" عليه.

[فصل [معني "في"]]

قال صاحب الكتاب: و"في" معناها الظرفية كقولك: "زيدٌ في أرضه"، والركض في الميدان، ومنه نظر في الكتاب، وسعي في الحاجة، وقولهم في قول الله عز وجل: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} (١): إنها بمعنى "على" عمل على الظاهر، والحقيقة أنها على أصلها لتمكن المصلوب في الجذع تمكن الكائن في الظرف فيه.

* * *

قال الشارح: أمّا "فِي"، فمعناها الظرفية والوعاء، نحوُ قولك: "الماءُ في الكَأْس"، و"فلانٌ في البيت"، إنما المراد أن البيت قد حواه، وكذلك الكأس. وكذلك "زيدٌ في أرضه"، و"الرَّكْضُ في الميدان"، هذا هو الأصل فيها، وقد يُتّسع فيها، فيقال: "في فلانٍ عَيْبٌ"، و"في يَدِي دارٌ"، جعلت الرجل مكانًا للعيب يحتويه مجازًا أو تشبيهًا. ألا ترى


= وردّ الوجه الثالث بأنّ المعطوف بـ "حتى" لا يكون إلا بعضًا أو غاية للمعطوف عليه، و"النعل" ليس بعض "الزاد" ولا غايته. وأجيب بأنّ البيت مؤوّل والتقدير: "ألقى ما ينقله حتى نعله"، فبين المعطوف والمعطوف عليه مناسبة.
(١) طه:٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>