والمعنى:"ماأتاني أحد", لأنّ "أحدًا" عامٌّ من غير دخولِ "مِنْ" كـ "طُورِيّ"، و"عَرِيبٍ"، وإنما أكّدت.
فإذا قلت:"ما أتاني من أحدٍ إلّا زيدٌ"، جاز في إعراب "زيد" وجهان: النصبُ على الاستثناء، والرفع على البدل من الموضع، لأنّ موضعه، لو لم يكن الخافضُ، رفعٌ, لأنّ "مِنْ"، لو لم تدخل، لَقلت:"ما أتاني أحدٌ إلّا زيدٌ". ولا يجوز خفضُ "زيد" على البدل من اللفظ, لأنّ خَفْضَه بـ "مِنْ"، ولا يجوز دخولُ "مِنْ" هذه على موجَبٍ، وما بعد "إلّا" هاهنا موجبٌ لأنّه استثناءٌ من منفىِّ، والمستثنى من المنفيّ موجبٌ، فامتنع البدلُ من اللفظ هاهنا لذلك.
ولو قلت:"ما أخذتُ من أحدٍ إلّا زيدٍ"، لجاز الخفضُ فيما بعد "إلّا" على البدل من المخفوض, لأنّ "من" هذه من صِلة "أحدٍ"، فهي تدخل على المنفيّ والموجب بخلاف الأولى. وتقول:"لا أحدَ فيها إلّا زيدٌ"، و"لا إلهَ إلّا الله" بالرفع على البدل من موضع "لا أحد", لأنّه في موضع اسمٍ مبتدأ.
ولا يجوز حملُ ما بعد "إلّا" على النصب الذي تُوجِبه "لَا" النافيةُ, لأنّ "لا" إنّما تعمل في منفىّ، وما بعد "إلّا" هنا موجبٌ، ولأنّ المنفىّ هاهنا مقدَّرٌ بـ "منْ"، والمعنى: لا من أحدٍ. ولذلك وجب بناؤُه، فلم يصحّ البدلُ منه، لأنّه لا يصحّ تقديرُ "مِنْ" هذه بعد "إلّا". ومن ذلك قولك:"ليس زيدٌ بشيءٍ إلّا شيئًا لا يُعْبَأ به"، ولا يجوز فيه إلّا النصبُ على البدل من المَحَلّ، لانّ مَحَلّه نصبٌ، والتقديرُ: ليس زيدٌ شيئًا إلّا شيئًا لا يُعْبَأ به. ولا يجوز الخفضُ على البدل من اللفظ, لأنّ خَفضه بتقدير الباء، وهذه الباء تأتي زائدةً لتأكيدِ النفي، ولا تكون مع الموجَب، وما بعد "إلّا" هنا موجبٌ، فلذلك لم يجز الخفضُ، قال الشاعر [من الكامل]:
أَبَنِي لُبَيْنَى ... إلخ
البيت لطَرَفَةَ بن العبد، والشاهدُ أنّه نصب "يدا" الثانيةَ، لوقوعها بعد "إلّا" بدلًا من محلِّ الجارّ والمجرور، لتعذُر حَمْله على لفظ المخفوض, لأنّ ما بعد "إلّا" موجبٌ، والباء مؤكّدةٌ للنفي. ويُروى: مَخْبُولَةَ العضُدِ. والخَبْلُ: الفَسادُ. والمعنى: أنتم في الضُّعْف، وقلّةِ الانتفاع كيَدٍ لا عَضُدَ لها. وتقول:"ما أنت بشيء إلّا شيءٌ لا يُعْبَأ به" بالرفع لا غيرُ، وذلك لأنّ الجارّ والمجرور عند بني تميم في موضع رفع, لأنّهم لا يُعمِلون "مَا" لعدم اختصاصها. وإذا كان في موضع رفعٍ، تَعذرَ حملُه على اللفظ الذي هو الجرّ لِما ذكرناه من أنّ هذه الباء لا تُزاد مع الموجب، وما بعد "إلّا" هنا موجبٌ، فحُمِل على الموضع، وهو الرفعُ. وعند أهل الحِجاز أنّ الجارّ والمجرور في موضع نصبٍ, لأنهم يحملون "ما" على