جائز. وادغامُها في الميم نحو:"من مُّحَمَّد"، و"مِمَّنْ أَنْتَ". وذلك أنّ الميم، وإن كان مخرجُها من الشفة، فإنّها تُشارِك النونَ في الخياشيم لِما فيها من الغنّة، والغنّةُ تُسمع كالميم، فلذلك تقعان في القوافي المُكْفَأة، نحو قوله [من الرجز]:
وأمّا ادغامها في الياء والواو في نحو:"من يَّأْتِيكَ"، و"مَن وَّالٍ" فذلك من قبل أنّ النون بمنزلة حروف المدّ نحو الواو والياء؛ لأنّ فيها غنّة، كما أنّ فيهما لِينًا ,ولأنّ النون من مخرج الراء، والراء قريبةٌ من الياء، ولذلك تفسير الراء ياءً في اللُثْعْة.
وهي تدغم بغنّة وبغير غنّة، فإذا ادُّغمت بغير غنّة؛ فلأنّها إذا ادغمت في هذه الحروف صارت من جنسها، فتصير مع الراء راءً، ومع اللام لامًا، ومع الياء ياءً، ومع الواو واوًا، وهذه الحروفُ ليست لها غنّةٌ. وأمّا إذا ادغمت بغنّة؛ فلأنّ النون لها غنّةٌ في نفسها، والغنّةُ صوت من الخيشوم يتبع الحرف، وإذا كان للنون قبل الادغام غنّةٌ، فلا يُبْطِلونها بالادغام حتى لا يكون لها أثرٌ من صوتها.
* * *
قال صاحب الكتاب: ولها أربعُ أحوالٍ: إحداها الادّغامُ مع هذه الحروف. والثانيةُ البيانُ مع الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، كقولك:"من أَجْلك"، و"منْ هانىء"، و"من عِنْدِك"، و"مَنْ حَمَلَك"، و"مَنْ غَبَرَ"، و"مَن خانَك"، إلّا في لغة قومٍ أَخفَوْها مع الغين والخاء، فقالوا:"مُنْخُلٌ"، و"مُنْغَلٌ".
* * *
قال الشارح: يريد أنّ النون لها أربعُ أحوال: حالٌ تكون فيها مدّغمة، وهي مع حروفِ "يرملون"، وقد تقدمت علّةُ ذلك، إلّا أنّه قد يعرض في بعضها ما يوجب تركَ الادغام فيه، وهي الميم والياء والواو، وذلك نحو قولك:"شاةٌ زَنماء"، و"غَنَمٌ زُنْمٌ"، فإنّ هذا لا يسوغ فيه الادغامُ، والبيان هو الوجةُ. وذلك لئلّا يُتوهّم أنّه من المضاعف لو قالوا:"زَمّاءٌ"، "وزُمٌّ". وكذلك "قُنوَةٌ"، و"قُنْيَة"، و"كنْيَةٌ" لا يسوغ الادغام في ذلك كلّه؛ لئلّا يصير بمنزلةٍ ما عينه ولامه واوان من نحو:"القُوَّة"، و"الحُوَّة"، أو ياءان، كقولك:"حَيَّةٌ"، وقد تقدّم ذلك قبلُ.
وأمّا الحال الثانية، وهو أن تُبيَّن، ولا تُدّغم، ولا تُخْفَى، وذلك مع حروف الحلق الستّة، وهي الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والخاء، والغين، كقولك:"من أبوك"،