للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم} (١) , وقوله: {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة} (٢). وهذا من بدل الإشتمال.

* * *

قال الشارح: وقد أكّد صاحبُ الكتاب كونَ البدل مستقِلاًّ بنفسه، وأنّه ليس من تَتِمَّةِ الأوّل كالنعت، بكونه في حكمِ تكريرِ العامل.

وذلك أنّك إذا قلت: "مررت بأخيك زيدٍ"، تقديرهُ: مررت بأخيك بزيدٍ. وإذا قلت: رأيتُ أخاك زيدًا فتقديرهُ: رأيتُ أخاك رأيتُ زيدًا. فذلك المقدَّرُ هو العاملُ في البدل، إلَّا أنّه حُذف لدلالةِ الأوّل عليه، فالبدلُ من غيرِ جملةِ المبدل منه - هذا مذهبُ أبي الحسن الأخفش وجماعةٍ من مُحقِّقي المتأخّرين، كأبي علي، والرُّمانيّ، وغيرِهم.

والحُجَّةُ لهم في ذلك أنّه قد ظهر في بعضِ المواضع، فمن ذلك قوله تعالى: و {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} (٣)، فقوله: "لمن آمن منهم" بدلٌ من "الذين استضعفوا"، وهو بدلُ البعض؛ لأنّ المؤمنين بعضُ المستضعفين.

ومن ذلك قوله تعالى: {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} (٤)، فقوله: "لبيوتهم" بدلٌ مِن "لِمَنْ يكفر بالرَّحمن"، وهو بدلُ الاشتمال، وقد أظهر العاملَ. قالوا: فلو كان العاملُ في البدل هو العاملَ في المبدل منه، لأدَّى ذلك إِلى مُحال، وهو أن يكون قد عمل في الاسم عاملان، وهما اللامُ الأُولى، واللامُ الثانية، إذ حروفُ الخفض لا تُعلَّق عن العمل. وقيل لأبي عليّ: كيف يكون البدلُ إيضاحًا للمبدل منه، وهو من غيرِ جملته؟ فقال: لمّا لم يظهَر العاملُ في البدل، وإنّما دلَّ عليه العاملُ في المبدل منه، واتصل البدلُ بالمبدل منه في اللفظ , جاز أن يوضِحه.

وذهب سيبويه، وأبو العباس محمّدُ بن يزيد، والسِّيرافيُّ من المتأخّرين إلى أنّ العامل في البدل هو العاملُ في المبدل منه، كالنعت، والتأكيدِ، وذلك لتعلُّقهما به من طريق واحد؛ وأمّا ظهورُ العامل في بعض المواضع، فقد يكون توكيدًا كما يتكرّر العاملُ في الشيء الواحد، كقوله [من البسيط]:

٤٢٩ - [قالتْ بنو عامرٍ: خالوا بني أسدٍ] ... يا بُؤْسَ للجَهْل ضَرّارًا لأقوامِ


(١) الأعراف: ٧٥.
(٢) الزخرف: ٣٣.
(٣) الأعراف: ٧٥.
(٤) الزخرف: ٣٣.
٤٢٩ - التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٨٢؛ وتذكرة النحاة ص ٦٦٥؛ وخزانة الأدب ٢/ ١٣٠ - ١٣٢، ١١/ ٣٣، ٣٥؛ والدرر ٣/ ١٩؛ وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٣٣٢؛ وشرح أبيات سيبوبه ٢/ ٢١٨؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٥٨؛ والشعر والشعراء ١/ ١٠١؛ والكتاب ٢/ ٢٧٨؛ ولسان العرب ١٤/ ٢٣٩ (خلا)؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ١١٥، ٢٢٨؛ وخزانة الأدب ٤/ ١٠٨؛ والخصائص ٣/ ١٠٦؛ ورصف المباني ص ١٦٨، ٢٤٥؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي =

<<  <  ج: ص:  >  >>