للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا الاستفهام، فنحو قولك: "أيْنَ بيتُك فأزُورَك". قال الله تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} (١). وقال الشاعر [من البسيط]:

٩٧١ - هل مِن سَبِيلٍ إلى خَمْرٍ فأشرَبَها ... أم هل سبيلٌ إلى نَصْرِ بن حَجّاج

والتمنّي: "ليت لي مالاً فأُنفِقَه". قال الله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} (٢). والعَرض: "ألا تنزلُ فتُحدِّثَ".

فهذه الأفعال تُنْصَب بعد هذه الفاء بإضمار "أنْ" إذا كانت جوابًا. وإنّما أضمرت "أنْ" ها هنا، ونُصب بها من قبل أنهم تَخيَّلوا في أوّل الكلام معنى المصدر، فإذا قال: "زُزني فأزُورَك"، فكأنه قال: "لِتكنْ منك زيارةٌ"، فلمّا كان الفعل الأول في تقدير المصدر، والمصدر اسمٌ، لم يسغ عطف الفعل الذي بعده عليه, لأنّ الفعل لا يعطف على الاسم، فإذا أضمروا "أنْ" قبل الفعل، صار مصدرًا، فجاز لذلك عطفُه على ما قبله، وكان من قبيل عطف الاسم على الاسم.

وإنما تَخيَّلوا في الأوْل مصدرًا لمخالفة الفعل الثاني الفعلَ الأولَ في المعنى، ولذلك إذا قلت: "ما تَزُورُني فتُحَدِّثَنِي"، لم ترد أن تنفيهما جميعًا، إذ لو أردت ذلك لَرفعت الفعلَيْن معًا، ولكنّك تريد: ما تزورني مُحدِّثًا، أي: قد تزورُني ولا حديثَ، فأثبت له الزيارة، ونفيتَ الحديثَ. فلمّا اختلف الفعلان، ولم يجز العطف على ظاهر


(١) الأعراف: ٥٣.
٩٧١ - التخريج: البيت لفريعة بنت همام في خزانة الأدب ٤/ ٨٠، ٨٤، ٨٨، ٨٩؛ ولسان العرب ١٥/ ٢٩٤ (مني)؛ وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ص ٢٧١.
اللغة والمعنى: نَصر بن حَجَّاج هذا رجل شُهر بجماله في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهذه الشاعرة التي تعرف بالمتمنية تتمنى الخمر لتشربها كما تتمنى أن تلِمَّ بنصر بن حجاج هذا.
الإعراب: "هل": حرف استئناف. "من": حرف جر زائد. "سبيل": اسم مجرور لفظًا، مرفوع محلًا على الابتداء. "إلى خمر": جار ومجرور متعلقان بخبر "سبيل". "فأشربها": الفاء: عاطفة وسببية. "أشربَها": فعل مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة بعد الفاء السببية، و"ها": مفعول به محله النصب، والفاعل مستتر وجوبًا تقديره: "أنا". "أم": حرف عطف. "هل": حرف استفهام. "سبيل": مبتدأ مرفوع بالضمّة. "إلى نصر": جار ومجرور متعلّقان بخبر "سبيل" المحذوف. "ابن": صفة لـ"نصر" مجرورة مثله. "حجاج": مضاف إليه مجرور، والمصدر المؤول من "أن" المضمرة بعد الفاء، ومن الفعل "أشرب" معطوف على مصدر منتزع من قبل، والتقدير: هل يكون خمر فَشُرْب لهذه الخمْر.
جملة "هل من سبيل إِلى خمر": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "هل سبيل إِلى نصر": استئنافية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "فأشربها" حيث نصب بـ "أن" مضمرة بعد الفاء السببية. ويروى "ألا سبيل" مكان "هل من سبيل" على أن "ألا" فيه للتمني. ولهذا سُمّيتْ قائلة هذا الشعر بالمتمنية.
(٢) النساء: ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>