للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لك في "الخزي" الرفع والنصب على ما تقدّم. وممّا يدلّك أنّ "أنْ" والفعل مصدرٌ معرفةٌ امتناعُ دخول لام التعريف عليه.

وقد يكونان نكرتَيْن، نحوَ قولك: "ما كان أحدٌ مثلَك"، و"ما كان أحد مُجتَرِئًا عليك"، وإنّما جاز الإخبار عن نكرة هنا, لأنّ "أحدًا"، في موضع "الناس". والمراد أن يعرّفه أنّه فوق الناس كلّهم حتى لا يوجد له مثل، أو دونهم حتى لا يوجد له في الصفة مثلٌ. وهذا معنَى يجوز أن يُجهَل مثله، فيكون في الإخبار فائدة.

وكذلك إذا قلت: "ما كان أحد مجترئًا عليك"، فالمراد أنه ليس في الناس واحد فما فوقه مجترىء عليه. فقد صار فيه فائدةٌ لِما دخله من العموم. وتقول: "ما كان فيها أحد مجترئًا عليك"، فيجوز فيه وجهان: أحدهما رفُع "مجترىء" على أنه صفةُ "أحد"، و"فيها" الخبر، وقد تقدّم. والآخر نصبُه على الخبر، ويكون الظرف مُلغى من متعلّقات الخبر.

واعلم أن الظرف، إذا كان خبرًا، فالأحسنُ تقديمه، وإذا كان لغوًا، فالأحسن تأخيره، مع أن كلّا جائزٌ، وهما عربيّان. ومنه قوله تعالى في: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (١): {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (٢)، فـ "لَهُ" لغوٌ هنا والخبر "كفؤًا".

فإن قُلْت: فالقرآن يُتخير له لا عليه، قيل. "لَهُ" الظرف هنا وإن لم يكن خبرًا فإنّ سقوطه يُخِلّ بمعنى الكلام الأوّل، ألا تراك لو قلت: "ولم يكن كفؤًا أحدٌ" لم يصح الكلام إذ كان معطوفًا على الخبر الذي هو "لَمْ يَلِدْ"؟ والخبرُ إذا كان جملة، افتقر إلى عائدٍ، فلمّا لزم الإتيانُ به، ولم يجز سقوطُه؛ صار كالخبر الذي يتوقّف المعنى عليه، فقُدّم لذلك، فأما قول الشاعر [من الرجز]:

لَتَقْرُبِنَّ قَرَبًا جُلْذِيَّا ... ما دَامَ فيهن فَصِيلٌ حَيّا


= الإعراب: "لقد": اللام: موطئة للقسم، حسب ما قبلها، "قد": حرف تحقيق. "علم": فعل ماضٍ مبني على الفتح. "الأقوام": فاعل مرفوع بالضمّة. "ما": حرف نفي. "كان": فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح. "داءها": خبر "كان" منصوب بالفتحة، و"ها": ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. "بثهلان": جارّ ومجرور بالفتحة عوضًا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. "إلا": حرف حصر. "الخزي": اسم "كان" مؤخّر مرفوع بالضمّة. "ممن": جارّ ومجرور متعلقان بـ "يقود". "يقودها": "يقود": فعل مضارع مرفوع بالضمّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره "هو"، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
وجملة "علم": حسب ما قبلها. وجملة "كان داءها": في محلّ نصب مفعول به لـ "علم". وجملة "يقودها": صلة الموصول لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: "ما كان داءها إلا الخزى" حيث أخر المبتدأ المعرفة، وقدّم الخبر المعرّف بالإضافة.
(١) الإخلاص: ١.
(٢) الإخلاص: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>