ووجة ثانٍ أن المضارع يحتمل زمانَيْن الحال والاستقبال، والتعجّبُ إنما يكون ممّا هو موجودٌ مشاهَدٌ، والماضي قد يُتعجّب منه؛ لأنه شيءٌ قد وُجد، وقد يتَّصل آخِرُه بأوّل الحال، ولذلك جاز أن يقع حالًا إذ اقترن به. فلو استُعمل لفظُ المضارع، لم يُعْلَم التعجّب ممّا وقع من الزمانَيْن، فيصير اليقين شكًّا.
وأمّا التصغير فإنما دخله - وإن كانت الأفعالُ لا تُصغَّر- من قبل أنه مُشابِهٌ للاسم من حيث لزم طريقةً واحدةً، وامتنع من التصرّف، وكان في المعنى "زيدٌ أحسنُ من غيره"، فلذلك من الشبَه حُمل عليه في التصغير.
فإن قيل: ولِم اختصّ هذا الفعل ببناءِ "أفْعَلَ"؟ فالجواب لأنه منقول من الفعل الثلاثي للتعدية، فهو بمنزلةِ "ذَهَبَ"، و"أذهبتُه". فإذا قلت:"ما أحسن زيدًا! " فأصلُه: حَسُنَ زيدٌ، فأردت الإخبارَ بأن شيئًا جعله حسنًا، فنقلتَه بالهمزة، كما تقول في غير التعجّب:"زيدٌ أحسنَ عمرًا"، إذا أخبرت أنه فعل به ذلك. ولا يكون هذا الفعل إلَّا من الأفعال الثلاثية، نحوِ:"ضرب"، و"علِم"، و"ظرُف". فإذا تعجّبتَ منها، قلت:"ما أضرَبَهُ! " و"ما أعلمه! "، و"ما أظرفه! " لا يكون الفعل إلَّا من الثلاثة.
فإن قيل: إذا زعمتم أن هذه همزةُ التعدية، وهمزةُ التعدية أبدًا تزيد مفعولًا، وأنتَ في التعجّب إذا قلت:"ما أضربَ زيدًا"، فما زاد تعدية؛ لأنه بعد النقل يتعدّى إلى مفعول واحد على ما كان عليه قبل النقل، بل إذا قلت:"ما أعلم زيدًا! " فإنّه ينقص بهذا التعدّي؛ لأنه قبل التعجّب قد كان ممّا يتعدّى إلى مفعولَيْن، وفي التعجّب صار يتعدّى إلى مفعول واحد لا غير، فما بالُ ذلك كذلك؟
فالجواب أن التعجّب بابُ مبالغةِ مدحٍ أو ذمٍّ، وذلك لا يكون إلَّا بعد تكرُّر ذلك الفعل منه حتى يصير كالطبيعة والغريزة، فحينئذ تنقله في التقدير إلى "فَعُلَ" بالضم، فيصير "ضَرُبَ"، و"عَلُمَ"، كما قالوا:"قَضُوَ الرجلُ"، و"رَمُوَ" حين اْرادوا المدح والمبالغة، وهذا البناء لا يكون متعدّيًا. فإذا أُريد التعجّب منه، نقلوه بالهمزة، فيتعدّى حينئذ إلى مفعول واحد؛ لأنه قبل النقل كان غير متعدّ.
فإن قيل: ولِمَ لا يكون هذا النقل إلَّا من فعل ثلاثي، ولا يكون ممّا زاد على الثلاثي؟ قيل: النقل في التعجّب كالنقل في غير التعجّب بزيادة الهمزة في أوّل الثلاثي، نحوِ:"دخل زيد الدارَ"، و"أدْخَلَهُ غيرُه"، و"حسُن زيد"، و"أحسنه اللهُ"، فجروا في ذلك على عادة استعمالهم. وأيضًا فإن فعل التعجّب محمول على "أفْعَلَ" في التفضيل؛ لأن مجراهما واحدٌ في المبالغة والتفضيل، و"أفْعَل" هذا لا يكون إلَّا من الثلاثة، نحوَ قولك:"زيدٌ أفضل، وأكرم، وأعلم". ولذلك قال صاحب الكتاب:"لا يُبْنَى إلَّا ممّا يبنى منه أفعلُ التفضيل".