للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: "فقد جاء ضارِبُني". قال [من البسيط]:

١٠٥٣ - [ألا فتى مِن بني ذبيانَ يحملني] ... وليس حاملُني إلَّا ابنَ حَمّال

فقليلٌ من الشاذ الذي لم يُلتفت إليه، مع أن الرواية الصحيحة: "وليس يَحْمِلُني". وأمْا قولهم: "قَدْني"، و"قَطْني"، فشاذّ أيضًا، مع أنهم قد قالوا: "قَدِي" من غير نون. قال [من الرجز]:

قَدْنِيَ مِن نَصْرِ الخُبَيْبَيْنِ قَدِي (١)

ولم يقولوا في التعجّب: "ما أحسَنِي"، فافترق الحال فيهما. والذي حسّن دخول نون الوقاية في "قدني"، و"قطني"، كونُهما أمرًا في معنى "اكْتَفِ"، و"اقْطَعْ".

الأمر الثاني: أنه ينصب المعارفَ والنكراتِ، نحوَ قولك: "ما أحسن زيدًا! "، و"ما أجمل غلامًا اشتريته! ". و"أفْعَلُ"، إذا كان اسمًا، لا ينصب إلَّا نكرة على التمييز، نحوَ: "زيدٌ أكثرُ منك مالًا وأكرم منك أبًا". ولو قلت: "زيدٌ أكثرُ منك المالَ والعلمَ"، لم يجز. ولمّا جاز "ما أكثرَ عِلْمَه! " و"ما أكبرَ سِنَّه! " دل على ما قلنا من أنه فعلٌ.

الأمر الثالث: أنه مبني على الفتح من غير مُوجِب دل على ما قلناه.

وأمّا الجواب عمّا تَعلّق به الكوفيون: أمّا عدمُ التصرّف، فلا يدل على اسميته؛ لأنّ ثمَّ أفعالًا لا رَيبَ فيها، وهي غير متصرّفة، نحوُ: "عَسَى"، و"لَيْسَ". والذي منع فعلَ التعجّب من التصرّف أنه تَضمّن ما ليس له في الأصل، وهو الدلالة على معنى زائدٍ على معنى الفعل، وهو التعجّب. والأصلُ في إفادة المعاني إنما هو الحروفُ، فلمّا أفاد فائدة الحروف؛ جمد جمودَها، وجرى في امتناع التصرّف مجراها.


١٠٥٣ - التخريج: البيت لأبي محلم السعدي في خزانة الأدب ٤/ ٢٦٥، ٢٦٦، ٦/ ٣٩٦؛ والكامل ص ٤٦٤.
اللغة: حاملني: حاملي، ودخول نون الوقاية على الاسم شذوذ.
الإعراب: "ألا": حرف استفتاح. "فتى": مبتدأ مرفوع بالضمة المقدّرة على الألف للتعذّر. "من بني": جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت لِـ "فتى". و"بني": مضاف. "ذبيان": مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضًا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. "يحملني": فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو". والنون حرف للوقاية، والياء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. "وليس": الواو: استئنافية، "ليس": فعل ماض ناقص، "حاملني": "حامل": خبر "ليس" منصوب بالفتحة، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "إلا": حرف حصر. "ابن": اسم "ليس" مرفوع بالضمة. "حمال": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة "ألا فتى يحملني": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يحملني": في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة "ليس حاملني": استئنافية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "حاملني" حيث دخلت نون الوقاية على الاسم، وهذا شذوذ.
(١) تقدم بالرقم ٣٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>